أكد الدكتور أنور أبو طه عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين أن شخصية الدكتور شلح كانت بحجم القضية الفلسطينية المركزية للأمة العربية والإسلامية، ولكونه كان قائداً فلسطينياً فقد أعطته القضية الفلسطينية بأبعادها سواء كانت الإقليمية أو الدولية أو الأممية وأعطى هو بذلك من روحه للقضية، مشددا على أن الدكتور شلح كان قائداً عشق فلسطين حدَّ الثمالة بماضيها، بتاريخها، بتراثها، حتى بأغاني الحادي فيها وبأهازيج القرى الفلسطينية، وعشق فلسطين فكان حرّاً في إرادته، في تفكيره، قداسة حرية القضية في هذا العالم الظالم.
وقال د. أبو طه خلال مقابلة تلفزيونية عبر فضائية "فلسطين اليوم" إذا أردنا أن نتحدث عن د. شلح على المستوى الداخلي، فبقدر ما كان صلباً وعنيداً تجاه التمسك بالحق الفلسطيني ومواجهة "الإسرائيليين"، كان شفيقاً رحيماً بين إخوانه، فكان على مستوى الداخل يستشير إخوانه ويتصل ويجتمع بهم على الدوام، لم يكن متفرّداً برأي ولم يكن مستبدّاً باجتهادٍ رآه؛ ليصل في النهاية إلى الرأي الصحيح ويكون صلباً وقويّاً.
وأضاف "وكان يتفقد إخوانه ولم يكن بمعزل عن أحوالهم الأسرية والمعيشية، دائم السؤال عن المجاهدين ويرعى أُسر الشهداء وعمل جاهِداً على تأسيس مؤسسة خاصة بالشهداء وأسرِهم وذويهم، كان عندما يأتي المقاومون والمجاهدون للتدريب لا يتركهم في قواعد التدريب، فكان عندما تنتهي الدورة العسكرية يذهب ليعظهم ويرشدهم ويوجّههم وكثيراً ما كان يلبس بزّته العسكرية ويقف فيهم خطيباً، ثم كان يعطي الأولوية دائماً للأسرى والشهداء والمقاومين في الميدان؛ لأنهم هم رأس المال الحقيقي لهذه الحركة الجهادية".
ولفت الى أن الدكتور رمضان كان أقرب حواريي الشهيد د. الشقاقي عندما كانا يدرسان في الجامعات المصرية في الزقازيق فكانت بوابة العلاقة بالأدب والشعر والسياسة ثم بدأت بالانتظام فكان الدكتور رمضان أول من التحق بالجهاد الإسلامي الذي كان اسمه آنذاك "الطلائع الإسلامية" الذي حافظ على النواة التأسيسية التي كانت في مصر ثم تم الانتقال إلى قطاع غزة الذي عملا فيه معاً ضد الاحتلال وتحشيد الجماهير الفلسطينية.
وحول دراسة الدكتور رمضان الاقتصاد في الجامعات المصرية أشار إلى أن المسألة الاقتصادية والمالية في دول العالم مسألة مهمة جداً في تسيير الاجتماع الإنساني، ولكن في فلسطين القوة المادية ليست هي المعوَّل عليها في مواجهة "بني إسرائيل" فالأصل في مواجهة الحركة الصهيونية والاحتلال الغاصب هي الإرادة التي يجب أن يمتلكها المقاتل ودرجة الإيمان التي تعتمل وتستقر في داخله.
وشدد على أن مسألة الاستعداد النفسي والروحي لا حدود له في مواجهة الباطل وعلوّه وفساد "بني إسرائيل"، دون أن نغفل العوامل المادية وأثرها ودورها؛ فلذلك د. رمضان في سهره الدائم على تنمية قدرات "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي أوصله إلى مستوى حيث أصبح الاحتلال "الإسرائيلي" يخشاه.
أهمية كبيرة
وأكد على أن الدكتور شلح كان يولى أهمية كبيرة لسرايا القدس فعمل على تطويرها على عدة أصعدة سواء على مستوى الهيكلية العسكرية فأصبح تنظيماً عسكرياً ضمن المتعارف عليه، وعلى مستوى التسليح اهتم به كثيراً، وعلى مستوى التدريب بتأهيل المقاتل في السرايا ليكون جاهزاً وذا كفاءة عالية، وكذلك مسألة السلاح الأمضى في مواجهة الكيان الصهيوني وهو "الصواريخ"، وكان مهتماً بدقة هذه الصواريخ وبالمدى الذي تصل إليه.
وأضاف " وبفضل الله نحن الآن في "سرايا القدس" لدينا قدرة على أن نصيب معظم المجال الحيوي للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وهذا يشكل عامل ردع للعدو، فنحن أمام جهاز عسكري لديه القوة والاقتدار والفاعلية في أن يرد الصاع صاعين، ولم تعد الإرادة "الإسرائيلية" إرادة حرة في استهداف أي عربي أو فلسطيني أو مسلم كما كان العهد في السابق، الآن الإرادة الصهيونية مكبلة بالرعب من " سرايا القدس" ومن قوى المقاومة ومن صواريخهما" .
وأكد على أن الدكتور رمضان كان دائما ما يركز أن التفريط في القدس هو تفريطٌ في مكة، وأن مسألة القدس هي آية في الكتاب وفلسطين بوركت وقُدست في القرآن الكريم أكثر من 7 مرات، وهذا ما يشكل عامل زيف البعض في دعوى انتمائه للإسلام وإيمانه بالقرآن في اللحظة التي يتخاذل فيها عن نصرة القدس وفلسطين.
وأضاف " اليوم المشكلة أن البعض يعتقد أن ما دام أهل فلسطين يواجهون الحركة الصهيونية يعني ينتهي واجبهم الإسلامي، لا يكفي القول نحن ندعم الشعب الفلسطيني، لا، فتحرير القدس هو واجب إسلامي فوق كونه واجباً وطنياً، الشعب الفلسطيني يقوم بواجبه على المستوى الوطني لكن هل قيامه بواجبه يسقط الواجب في أعناق باقي المسلمين؟ بالطبع لا".
حول نظرة الدكتور رمضان للانقسام الفلسطيني أوضح أن المسألة المهمة في فكر الدكتور الراحل هي في المقدسات، فلسطين مقدسة، الإسلام مقدس، المقاومة مقدسة، وحدة الشعب الفلسطيني مسألة مقدسة؛ لأنه لا يمكن أن تقف في مواجهة الحركة الصهيونية دون أن تحقق وحدة الشعب الفلسطيني؛ لافتا الى أنه كان يرى أي اختلاف أو انقسام أو تدابُر بين الفلسطينيين يشكل تهديداً للقضية الفلسطينية، وتهديداً للانتصار في فلسطين، ولفاعلية واقتدار المقاومة في فلسطين.
تقريب وجهات النظر
ونوه الى أنه حرص طيلة السنوات الأولى للقطيعة المصرية مع حركة حماس، على محاولة رأب الصدع ويتحدث مع مصر ويحاول جمع حركة فتح مع حماس في القاهرة بمبادرات كثيرة جداً وصولاً للنقاط العشر التي طرحها لإنهاء الانقسام، وكان ترى أنه قائد فلسطيني وليس قائداً فصائلياً وكان يشكل نقطة التقاطع بين كثير من الفصائل الفلسطينية والحركات والجماعات فيجدون عنده الصدر الرحب والفكر المنفتح وقداسة المسألة الفلسطينية.
و لفت الى أن الدكتور رمضان شلح حاول عديد المرات تقريب وجهات النظر بين حركتي فتح و حماس، من خلال الجمع بين الرئيس محمود عباس و خالد مشعل في القاهرة أكثر من مرة بحضوره، ولكن مسألة الانقسام بشكل حقيقي المؤثر فيها ليس فقط الأطراف الفلسطينية، بل استجابة بعض تلك الأطراف لإملاءات الصهيونية أو العربية التي تشكل عائقاً أساسياً دون الوحدة.
وتابع " كان يرى الاختلاف أمراً طبيعياً، لكن المهم كيف نختلف؟ هل نختلف بالبندقية والقيل والقال أم ببيان الآراء؟ فالأصل أن يكون هناك قواسم مشتركة وطنية بين المختلفين تتعلق بثوابت القضية الفلسطينية، نقطة التقاطع الأساسية التي يمكن أن تحل أي خلاف هو تجاوز المصالح الحزبية والفصائلية والسياسية وعدم الخضوع للإملاءات الخارجية والتمسك بالقواسم المشتركة والثابت الوطني الذي هو فلسطين والمقاومة والتحرير وذلك كفيل بأن يجمع هذه الأطراف، وقد توفي (رحمه الله) وهذه قناعاته.
وبين أنه كان يتواصل ويستقبل الكثير من العلماء والسياسيين، لا يترك عالماً ولا مفكراً ولا فيلسوفاً إلا واستطاع أن يستفيد منه، ودائماً كانت الجلسات تعقد إلى قبيل الفجر للتداول في شأن الأمة، وكان يتحدث عن تيار (الخيار الثالث) في الأمة،وفي حين أن وأن الساحة الإسلامية منقسمة ما بين تيارين، حيث كان يرى الاحتدام بين التيارين مهلك للأمة ولا بد من تيار ثالث في عموم الأمة يؤكد على ثوابتها والقواسم المشتركة فيها لتتحقق فيها وحدتها، وعمل جاهداً على ذلك.