كلمة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبد الله في افتتاح المؤتمر السابع لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية المنعقد في طهران وغزة يوم الأحد 25 أيار/مايو 2014م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والرسل سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخوة والأخوات:
يطيب لي بداية أن أتوجه بالشكر والتحية إلى هيئة وإدارة مؤتمركم هذا وإلى إتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية على اهتمامه بفلسطين والمقاومة وعلى دعوتي للحديث في هذه المناسبة وفي هذا الحدث المهم.
أهنئكم إذ تهتمون اليوم بفلسطين وبالمقاومة، وهذا الاهتمام يكسب مؤتمركم هذا أهمية خاصة، حيث أنه يتزامن مع بروز ظاهرة في الإعلام العربي والإسلامي، للأسف، ولا أريد أن أتحدث عن الإعلام العالمي فكلنا نعرف موقفه من فلسطين.
يتزامن هذا الاهتمام بفلسطين في مؤتمركم الموقر هذا، مع بروز ظاهرة تغييب، أو محاولة تغييب القضية الفلسطينية، وإن حضرت فإنها تحضر على خجل وبطريقة مشوهة ومضللة أحياناً.
من هنا فإنني أهنئكم على هذا الاهتمام وهذا الانحياز لفلسطين ولثوابتها ولشعبها وقضيتها العادلة، وأقول لكم: إنكم عندما تنحازون لفلسطين فأنتم تنحازون لقضية تعبّر عن أكبر مظلومية في التاريخ الحديث، بل تشكل سُبَّة في جبين هذا العصر، أمام ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من جريمة ومن مظلومية حيث تم اقتلاعه من وطنه وإلقاؤه خارج الحدود.
أنتم تنحازون لقضية تمثل بالصراع عليها أقدس معركة للأمة في هذا الزمان، حتى لو ولّى منها الكثيرون الأدبار، ونكصوا على أعقابهم، وأداروا ظهروهم لفلسطين، فطوبى لمن ينحاز لفلسطين فهو ينحاز للعدل، ينحاز للمقدس، وكيف لفلسطين ألا تكون مقدساً، وهي أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين، وهي أرض الإسراء والمعراج، منها عرج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إلى السماوات العلى، وهي مهد المسيح عليه السلام، فلسطين هي المقدس بعينه، في هذا الزمان الذي تباع فيه المقدسات بأرخص الأثمان.
أنتم اليوم بانحيازكم لقضية فلسطين، إنما تنحازون لقضية حققت من الإنجاز الأشياء الكثيرة، ولكن هناك من لا يريد أن يبصر هذه الإنجازات، ولا أريد أن أطيل عليكم الحديث في موضوع إنجازات ونجاحات قضية فلسطين تحت راية الجهاد والمقاومة. ولكن، أذكركم وأذكر السادة المشاهدين بمثل واحد ربما يكون معبّراً عن إنجاز خط المقاومة، في معركة فلسطين المقدسة. أذكركم عندما انهار الاتحاد السوفيتي، وأعلنت الولايات المتحدة تدشين نظام عالمي جديد في العالم، وأطلقت مؤتمر مدريد في خريف أو أكتوبر 1991، عشية استعداد إسبانيا في تلك المرحلة للاحتفال بالذكرى الـ500 على خروج المسلمين من الأندلس بتاريخ 1492، أي سقوط غرناطة. هنا نقف أمام هذه المناسبة، أسبانيا بعاصمتها مدريد تعد للاحتفال بسقوط الأندلس وخروج المسلمين قبل خمسمائة سنة من تلك الأرض، التي تركوا فيها بصماتهم على معالم حضارة إنسانية شاخصة لليوم أمام الجميع، وعلى مرأى ومسمع العالم. هل كان اختيار مدريد لتكون محطة وعاصمة ينطلق منها مؤتمر السلام الذي أراد أن يكرّس "إسرائيل" والكيان الصهيوني كجزء طبيعي من نسيج هذه المنطقة صدفةً؟ لا لم يكن صدفة.
الرسالة كانت واضحة، إنهم يقولون لنا كعرب وكمسلمين وكفلسطينيين، عليكم أن تسلموا اليوم بأن إخراج الشعب الفلسطيني من أرضه بنكبة عام 48، هو تماماً كإخراج المسلمين من الأندلس، هذه كانت الرسالة التي قبلها للأسف النظام العربي يومها، وانطلقت مدريد لتكون فلسطين أندلساً ثانية، أي أن تقبر فلسطين وقضية فلسطين إلى الأبد. هكذا كان مشروع التسوية الذي انطلق قبل ما يقرب من ربع قرن.
ما هو الإنجاز، الذي انحزتم له كجمهورية إسلامية دولة وشعباً وقيادة، وكإعلام مقاوم على مستوى المنطقة؟ الإنجاز أستطيع أن ألخصه في كلمة واحدة، هو أن المقاومة منعت على مدار أكثر من ربع قرن أن تتحوّل فلسطين إلى أندلس ثانية.
هذا إنجاز ما بعده إنجاز، بل أكثر من ذلك، أن الأمة تحت راية مشروع المقاومة، استعادت روحها وعافيتها، وخرجت من زمن الهزائم إلى زمن الانتصارات، وكانت المحطات التي نعلمها ونعرفها جميعاً، ونحن بالمناسبة اليوم نحتفل بذكرى واحدة مهمة من هذه المحطات وهي تحرير الجنوب في لبنان على يد المقاومة الباسلة بقوة السلاح، وهزيمة الجيش الذي قيل لنا يوماً بأنه الجيش الذي لا يقهر في المنطقة.
اليوم نحن نؤكد مجدداً أننا عندما ننحاز لفلسطين أيضاً نمنع كوارث أخرى، لأن الطبيعة تأبى الفراغ كما نعلم، عندما تغيب فلسطين عن الإعلام، من يظن أن البديل عن فلسطين هو الفراغ؟!!
لا، سيحضر في الإعلام بديلاً عن فلسطين، أمران:
الأول: سيحضر الإنحياز لـ"إسرائيل" للكيان الصهيوني وللرواية الإسرائيلية، والسرد الصهيوني في قضية فلسطين، ونحن الآن نعيش زمن فرض الرواية الصهيونية والاعتراف أو محاولة إجبارنا على الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية. أي أن نعترف بأن فلسطين ليست لنا، وأننا غرباء عن فلسطين، وأن فلسطين هي الوطن التاريخي لأي يهودي في العالم يحق له العودة إلى فلسطين ليستوطن فيها، بينما يُحرم الشعب الفلسطيني من حقه (بالعودة) ويؤسس هذا الاعتراف، إن وقع لا سمح الله، إلى تهجير من تبقى من أهل فلسطين من أرضهم لتستمر المذبحة وتستمر النكبة.
الأمر الآخر: أن محاولة تغييب فلسطين عن الإعلام إنما تتم عن دهاء في منظومة الإعلام العالمي وماكينته الدولية الظالمة، حتى يتم استبدال هذه القضية بقضية أخرى، يريدون استبدال الصراع المذهبي والطائفي البغيض في المنطقة بالصراع مع العدو الصهيوني.
لذلك عندما تحضر فلسطين إنما يحضر الحق ويحضر العدل ونوصد بذلك باب الفتنة.
وللإعلام دور كبير في هذا المجال، إما أن يؤدي الإعلام المؤمن والملتزم والمنتمي لهذه الأمة دوره الطبيعي أو أن ينحرف.
وعندما ينحرف الإعلام فإنه يصنع لنا الكوارث، إنه يصب الزيت على النار ليشعل نار الفتن بدل من أن يصب الماء على النار ليطفئها ويحل السلام بين الأمة.
إنهم في الوقت الذي يتحدثون فيه عن التطبيع مع العدو الصهيوني، وعن التعايش مع الكيان الإسرائيلي في هذه المنطقة، نراهم في وسائل إعلام عربية وإسلامية للأسف، يقيمون لنا الحواجز والمتاريس بين مكونات الأمة على خلفيات أكل الدهر عليها وشرب، يثيرون النعرات المذهبية والطائفية والعرقية ومن كل نوع.
إن علينا بإيماننا وبالتزامنا وبانتمائنا لأمتنا، وإخلاصنا لقضاياها المصيرية، أن نهدم كل هذه الحواجز، وأن نهدم كل هذه المتاريس. إننا نشهد بعد أن عشنا زمناً طويلاً من الحديث عن التقريب بين أبناء الأمة الواحدة من كل المذاهب والطوائف، نشهد الآن مزيداً من التباعد، بل يتحوّل التباعد إلى تناحر، وإلى تنازع وإلى تقاتل، كل ذلك يصب في طاحونة الكيان الصهيوني ومصالح أعداء الأمة في هذه المنطقة.
إن مسؤوليتكم اليوم معشر الإعلاميين مسؤولية كبيرة، أن تستعيدوا فلسطين إلى موقعها الطبيعي أن تشعلوا شمعة للوعي في هذه الأمة من جديد، لتحضر فلسطين وتغيب الفتن، لتحضر فلسطين ويغيب هذا الكيان البشع عن وجه إعلامنا، أصبح الكيان الصهيوني هو مصدر المعلومة عن فلسطين، وهو مصدر الخبر عن فلسطين!
تستطيعون معشر الإعلاميين الكرام أن تعيدوا لفلسطين الاعتبار سواء في الجانب المعرفي، بأن تحضر فلسطين كقضية عربية إسلامية بكل ثوابتها التي تربت عليها الأجيال، ويحاولون طمسها الآن. أن تحضر المقاومة ويحضر الجهاد وأن يحضر كل ما يتعلق بمعاني فلسطين وأبعادها التاريخية والحضارية ليأخذ مكانه من جديد في وعي الأمة.
أيضاً تعيدوا موقع فلسطين وتعيدوا لها الاعتبار، في التوجهات وفي المواقف وفي كل ما يتعلق بهذه الأمة وموقع فلسطين فيها.
نحن هنا وفي هذا المكان، إذ أختصر قولي ولا أريد أن أطيل عليكم، أختم وأقول، إننا عندما ننحاز لفلسطين وعندما نؤكد ألا خيار أمامنا للعودة إلى فلسطين إلا الجهاد والمقاومة، وليس المفاوضات والتسوية. إن استمرار الرهان على التسوية يعني البقاء في قفص مدريد وأوسلو، أي أن نسلّم بأن فلسطين أندلس جديدة، وهذا ما هزمته وكسرته المقاومة، ولا يمكن أن نقبل أو أن نسلّم به. فلسطين لا طريق للعودة إليها إلا طريق الجهاد والمقاومة طريق الانتصار. وثقوا بأنكم ستنتصرون معنا وبنا، قضية فلسطين ستنتصر لأنها قضية عدل، ولا يمكن للظلم أن ينتصر وإلا اختلت نواميس الكون. سينتصر العدل الذي تمثله فلسطين على الباطل الذي تمثله "إسرائيل" والآخرون. سينتصر الحق الذي تمثله فلسطين على الباطل الذي يتمترس خلفه كل العالم.
تحية لكم ولمؤتمركم، تحية للكلمة الصادقة، تحية لهذا الانحياز الواعي والمخلص لفلسطين، تحية للشهداء وللأسرى البواسل، تحية لشعبنا الصامد الصابر في كل مكان، تحية لكل أحرار وشرفاء أمتنا، وكل أحرار وشرفاء العالم، المنحازين لفلسطين والحق الذي لن يضيع، وستشرق شمسه من جديد يوماً، شمس فلسطين كاملة لأهلها وسيعودون إن شاء الله. على صوت البنادق، وعلى صليل دماء الشهداء الأحرار، التي ستطهر فلسطين من دنس الغزاة، بل ستطهر كل الأرض من هذا الرجس الذي يخيم على العالم في زمن تغتصب فيه فلسطين.
بارك الله فيكم
وأتمنى لكم ولمؤتمركم هذا النجاح والتوفيق والسداد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته