بقلــم: د. أحمد المدلل
ما أحدثه فيروس كورونا (Covid-19) في العالم من تغيرات ومن انكشاف وفشل أصاب دولًا كبيرة (وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية) يجعل المهتمين والباحثين يتحسسون ويجادلون ويضعون سيناريوهات متعددة حول مستقبل العالم السياسي الذي تحكمت أمريكا في جميع مفاصله على مدار عقود طويلة من الزمن.
يجمع المراقبون والمحللون بكل تصنيفاتهم ان عالم ما بعد كورونا سيختلف عن عالم ما قبل كورونا، مما يعنى ان التغير سيصيب اقطابا كبيرة وعلى راسها أمريكا القوة الباطشة والمتحكمة والمستغلة والمرهوبة الجانب ... لا احد يجادل في فائض القوة العسكرية المتقدمة والقوة الشرطية والقرصنة المتحكمة في منافذ الاقتصاد العالمي ... وبمجيء الرئيس الأمريكي ترامب قفز الطمع والطموح الأمريكي وبوضوح نحو استغلال ثروات العالم وعلى راسها ما استجلبه عند بداية توليه الحكم من مئات مليارات الدولارات من المملكة العربية السعودية ودول الخليج وانه لن يترك أمريكياً عاطلا عن العمل وسمع العالم بشارته للأمريكيين بعد عودته من مؤتمر القمة العربية الاسلامية الأمريكية « jobs, jobs» جئتكم بالوظائف ... وخضع العالم كله للغطرسة الأمريكية فيما الصين وبأقدامها الناعمة تتقدم بنهضة صناعية تفوقت كثيرا بها على اميركا حتى انها قفزت عنها في ميزانيتها العامة بحوالي تريليون دولار وغزت كل الاسواق العالمية بما فيها الاسواق الأمريكية بل ان عشرات او مئات الشركات الأمريكية نقلت مقراتها وخطوط انتاجها باتجاه الصين وترامب يلهو بالهيمنة والتسلط وتقسيم دول العالم الثالث وبكل مظاهر الصلف والعنجهية يعترف امام العالم بالقدس عاصمة موحدة للعدو الصهيوني بعد ان نقل سفارة بلاده اليها في سابقة خطيرة لم يستطع أي رئيس أمريكي قبله ان يفعلها وبدأ بفرض صفقة العصر على العرب والفلسطينيين بدون تردد ... ولم ينس الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وهو يلوح بالعصا الغليظة نحو دول أمريكا اللاتينية التي خرجت عن بيت الطاعة بالتهديد والترهيب ... حتى جاءت جائحة كورونا (Covid-19) المستجد، استطاعت الصين ان تتجاوز أزمتها في مواجهة الفيروس ولكن أمريكا غرقت في وحل فيروس كورونا ومن خلال متابعتي للأحداث منذ دخول الجنود الأمريكيين أراضي الصين في المناورة العسكرية المشتركة وما خرج من تصريحات وما تبع ذلك من اعمال بحثية والى هذه اللحظة لا استبعد ابدا عنصر المؤامرة من قبل أمريكا لضرب الصين بالرغم من كل محاولات التنصل والاتهامات التي يطلقها ترامب ومن يتغطى بالعباءة الأمريكية من سياسيين وقادة فكر ورأي ومحللين لتبرئة أمريكا ... ولكن نتيجة التقدم اللامتناهي تكنولوجيا وعلميا والاجراءات فوق العادة التي استخدمتها الصين للانتصار على الفيروس ومقدرتها على فك شيفرته والعمل على تطويره ليس مستبعدا على دولة مثل الصين ... طبعا لن يروق الامر لأمريكا والتي يراسها شخص مثل ترامب ان تضعف امام التنين الصيني وبدأت تصريحاته تأخذ منحى التصعيد في مواجهة الصين التي تقدمت عليه كثيرا خصوصا ان المؤسسات الأمريكية كلها اليوم في حراك وحالة توتر والمجتمع الأمريكي مرعوب من تفشى فيروس كورونا الذى ينتشر كالنار في الهشيم ويزداد ضحاياه يوميا بالآلاف واكبر نسبة اصابات ووفيات هي في أمريكا ووصلت الوفيات في يوم واحد حوالى الألفين ...
الواقع الأمريكي الحالي والمأزوم والذي أكد على كارثيته هو الرئيس ترامب نفسه يدفعنا للتأكيد على ان تغيرات دراماتيكية أمريكية ستحدث على عدة محاور:
أولًا: الوضع الداخلي للمجتمع الأمريكي وما ستؤول اليه الاوضاع الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية. والمعطيات تؤكد انها في حالة انهيار وما أكده خبير الاقتصاد العالمي طلال ابو غزالة قبل جائحة كورونا بان هناك توازي في الفرق بين ميزانية أمريكا وميزانية الصين (1 : 2) بالتوالي وخلال أقل من سنة سيقفز الفرق بين الميزانيتين الى (2 : 6) لصالح الصين هذا في بدايات ازمة كورونا فما بالكم الكارثة التي تعيشها اليوم أمريكا في مواجهة وباء كورونا والفشل الذريع في سياسات ترامب الاقتصادية وكذلك الاجتماعية حيث انه اضطر لانزال فرق كبيرة من الجيش الأمريكي الى الشارع لمحاولة الحد من الجريمة التي استفحلت في كبرى الولايات واعادت أمريكا الى عصر الكاوبوى غير حالات الفقر التي بدت واضحة داخل المجتمع الأمريكي والتي تحدث عنها الكثير من المراقبين.
ثانيًا: السياسة الداخلية الأمريكية والشكوك حول امكانية المحافظة على اتحاد الولايات الفيدرالي متماسكا امام سلوك سلطة ترامب اتجاه حكام الولايات خصوصا الديمقراطيين منهم وما اوردته آخر التقارير حل التوتر السائد بين ترامب وحكام الولايات الديمقراطيين وقد دفع ذلك ترامب عبر تويتر بالمطالبة بتحريرها منهم وقد رفضوا الانصياع لأوامره في اعادة الانفتاح فيما فيروس كورونا يزداد انتشارا وصرحوا امام الاعلام بفشل سياساته الاقتصادية هذا غير العلاقة المتوترة جدا بينه وبين رئيسة الكونغرس الديمقراطية بيلوسى مما ينذر بالانفجار السياسي والذى سيؤثر بالطبع على قوة أمريكا مستقبلا .
ثالثًا: السياسة الخارجية الأمريكية والتي ستتأثر تأثرا كبيرا بالوضع والسياسة الداخلية الأمريكية وهذا سينعكس حتما على تعاطي أمريكا في قضايا عالمية كثيرة ومتغيرات ستكون واضحة من حيث الهيمنة على المواقف الاوروبية والتي جعلت أوروبا قاطبة لا تثق بأمريكا التي تخلت عنها في ازمتها لمواجهة فيروس كورونا يعنى ان الهيبة الأمريكية لم تعد حاضرة لتسيطر مستقبلا على المواقف الاوروبية والتي ستكون اكثر ميلا باتجاه الصين وقالها بعض الرؤساء الاوربيين صراحة ولا استبعد امام الحالة الاسرائيلية الهشة سياسيا سيدفع أمريكا في الانشغال في نفسها وتترك اسرائيل لتواجه مصيرها لوحدها لذا شعر نتنياهو بذلك ووطد علاقاته بالصين وهناك زيارات مكوكية اسرائيلية الى بيجين كما ان التبادلات التجارية الاسرائيلية الصينية تضاعفت وقد تحدث بعض المراقبين ان اسرائيل تريد ان تضمن وجودها وهي تقرأ مالات الوضع الأمريكي .
رابعاً: العلاقات الأمريكية الدولية كلها ستشهد تغيرات كبيرة خصوصا مع أوروبا. كما هو معلوم ان الدول تضع خلافاتها جانبا في مواجهة الخطر، لكن الغريب ان الهيمنة والمزاجية هي تتغلب على علاقات أمريكا مع الدول الاخرى ولا تزال العقوبات الأمريكية قائمة على دول كثيرة من العالم مثل ايران وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا وغيرها، كما ان الرئيس الأمريكي يتامر على انجازات الاخرين ويستدعى رئيس شركة ادوية المانية ويعرض عليه مليار دولار مقابل تطوير عقار باسم الولايات المتحدة والقرصنة الأمريكية للمستلزمات الطبية الذاهبة الى دول اخرى ومنع أمريكا تحويلات مالية لدول فقيرة .. في نفس الوقت العلاقات الاوروبية الصينية تتطور بشكل كبير ... جائحة كورونا فضحت أمريكا بشكل قوي كدولة انتهازية لا تؤمن بالشراكة .. واتفق مع الدكتور عبد الستار قاسم ان أمريكا ستواجه تمردا عالميا مستقبلا وسيتشكل تحالفا جماعيا لمواجهة الممارسات الأمريكية.
خامساً: الاندفاعة الأمريكية وصناعة حرب. إذا استمر الرئيس الأمريكي الحالي على سدة الحكم لن يقر للإدارة الأمريكية قرار الا بالمضي في المواجهة للاحتفاظ بالقوة والهيمنة وعدم اعطاء الفرصة للصين لأن تتقدم على أمريكا أكثر من ذلك ... ولا مناص من اشعال حرب مع الصين لكن ما هي طبيعتها يختلف البعض انها حرب صامتة بيولوجية ولن تكون ذات صدى كبير وتعمد الى تدمير المقومات البشرية والرأي الآخر يقول ستكون حرب صواريخ مدمرة عن بعد ويضطر الطرفان بعد ذلك للجلوس على طاولة المفاوضات ويعود العالم الى القطبية من جديد القطب الأمريكي والقطب الصيني.