Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

جرافات وجرائم الاحتلال: فلسطين تحتاج الى قرارات أممية وعربية بأسنان؟!

وكالات

نواف الزرو

إن مشهد الجرافة الصهيونية التي تقتلع جثة الشهيد محمد الناعم المتشبثة في تراب وطنها يلخّص حالة المشهد الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني منذ النكبة قبل اثنين وسبعين عاما حتى اليوم. فقد أعاد مشهد تمثيل الجرافة الصهيونية بجثة الشهيد الفلسطيني، إلى أذهان الفلسطينيين آلاف المشاهد التي اقترفتها قوات الاحتلال ببشاعة ليس لها نظير في وحشيتها والثقافة الاجرامية التي تقف وراءها، والتي كان من أبرزها إعدام المتضامنة الأمريكية راشيل كوري عند محاولتها التصدي لجرافة عسكرية صهيونية كانت تهدم بيوت الفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة في آذار عام 2003.

فلا يكاد يخلو اجتياحٌ لقوات الاحتلال لأطرافَ قطاع غزة-كما جاء في تقرير فلسطيني من هناك- أو شنّ حرب عليه من استخدام الجرافات العسكرية المصفحة D-9 أو “الدب”، وقد أعلن قبل أيام عن انتهاء مناورة نظمها سلاح الهندسة في جيش الاحتلال عبر هذه الجرافات، تركزت على استخدامها لتقطيع أوصال قطاع غزة وإيجاد ممرات أرضية آمنة للآليات التي يعتزم الاحتلال من خلالها اقتحام القطاع. وفي هذا السياق نلاحظ أنّ هذه الجرافات تسير جنبا الى جنب مع الدبابات ومدعومة بالغالب من المروحيات، وهي بالأساس جرافات عسكرية. ونوثق هنا ان “قوات الاحتلال اعتادت على ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة التي يندى لها جبين البشرية، بسبب العجز الدولي عن ملاحقة هذه الجرائم، وتعوّد الاحتلال على الإفلات من العقاب”. ولا شك أنّ الصمت الدولي سبب رئيسي لارتكاب مثل هذه الجرائم الوحشية التي تخالف المشاعر الإنسانية والأخلاق والقوانين والمعايير الدولية والإنسانية. ونؤكد هنا أن جريمة التمثيل بجثة الشهيد الناعم، هي”جريمة حرب” حقيقية وجريمة ضد الإنسانية، وهذا الفعل المستهجن يشكل بالتاكيد حالة إعدام خارج القانون، داخل الأراضي الفلسطينية وليس خارجها”.

ثم إن مظهر الجرافة الإسرائيلية وهي تنكل بجثمان الشهيد الناعم، هي رسالة للعالم بأنّ الاحتلال وصل لاستخدام أبشع الأساليب الوحشية الاستبدادية ضد الشعب العربي الفلسطيني”.. هذا ما قاله خبير القانون الدولي حنا عيسى. ويوضح “ان سائق الجرافة الصهيونية ليس شخصاً عادياً، بل هو مجرم من عصابات القتل في وحدات هاشومير التي كانت تقتل الفلسطيني منذ عام 1909، وتذكرنا بجرائم الحرب والإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وتدل دلالة واضحة إلى أين وصل البطش الإسرائيلي باستخدام الوسائل الوحشية الأكثر بطشاً ضد الشعب الفلسطيني”.

وما حدث يفسر العقلية الإجرامية  للاحتلال في التعامل مع الشهداء، وهذا ما قرره وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت بُعيد تعيينه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بأن يتم احتجاز الجثامين وعدم إعادتها إلى عائلاتها كجزء من خطة “الردع”.

ونذكر هنا بان الاحتلال له تاريخ حافل في ارتكاب الجرائم البشعة، ففي قطاع غزة تحديداً قتلت إحدى جرافاته المتضامنة الأميركية راشيل كوري في السادس عشر من آذار /مارس عام 2003.

ومشهد هذه الجريمة كاد أن يحدث الجمعة قبل الماضية في قرية كفر قدوم شرق مدينة قلقيلية، عندما باغتت جرافة عسكرية عددا من الشبان والفتية وهاجمتهم بسرعة هائلة، ولحسن الحظ لم يصب أحد بجروح خطيرة، باستثناء طفل يبلغ من العمر 9 سنوات ومصور تلفزيون فلسطين اللذين أصيبا بجروح طفيفة. كما ارتكب الاحتلال جريمة مشابهة قبل أيام في محيط رأس كركر غرب محافظة رام الله، بحق الشهيد فخر محمود أبو زايد قرط (53 عاما)، عندما انتشلت جثمانه بواسطة جرافة.

وفي السابع والعشرين من تموز/ يوليو عام 2016 هدمت جرافات الاحتلال منزلاً فوق رأس الشهيد محمد الفقيه الذي كان يتحصن فيه في بلدة صوريف شمال غرب الخليل. وفي الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر العام/2019 سحبت أنياب جرافة عسكرية اسرائيلية جثماني شهيدين ارتقيا على الحدود الشرقية وسط قطاع غزة، وفي الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام اصطدمت جرافة اسرائيلية بمركبة على طريق حاجز ترقوميا غرب الخليل، ما أدى إلى استشهاد المواطن محمد النواجعة من مدينة يطا وإصابة نجله بجروح.

   ومما هو جدير بالاستحضار هنا تلك الاقوال والاوصاف التي اطلقها عدد من نخبة الكتاب الاسرائيليين على دور الجرافة الصهيونية الاجرامي، فكان اوري افنيري احد اهم اقطاب “معسكر السلام” الاسرائيلي وابرز الخبراء في السياسات الصهيونية ورئيس تحرير مجلة هعولام هزه قد اكد لنا منذ سنوات على سبيل المثال قائلاً: “ان الحرب الحقيقية في الضفة انما تدور رحاها في انحاء الضفة الغربية والقدس، واسلحتها تتكون من: الخرائط والقرارات والأوامر العسكرية، وهي حرب مصيرية يتعلق بها مصير ملايين الفلسطينيين، فأما الحياة واما الموت”، وأدوات هذه الحرب الوجودية حسب افنيري وحسب التقارير الفلسطينية المختلفة هي الخرائط والقرارات والاوامر العسكرية الاسرائيلية التي اداتها الرئيسية هي الجرافة العملاقة، التي لم تتوقف عن غرز اسنانها في الجسم الفلسطيني..!

ويقول الكاتب الاسرائيلي “يهودا ليطاني” في الجرافة: “ان الجرافة صارت اداة حرب للجيش الاسرائيلي، الاداة التي تشبه الدبابة وترمي الى الدمار وليس الى البناء”. ويقول الكاتب الاسرائيلي “عوفر شيلح”:”تواصل صديقتنا الجرافة تصميم الواقع في الضفة الغربية”.

وكتبت الصحفية الاسرائيلية المناهصة لسياسات الاحتلال “عميره هس” مؤكدة: “التفاؤل بعملية السلام شيء، والجرافات شيء آخر، فاسرائيل تبني للفلسطينيين في الضفة الغربية محميات هندية مبعثرة هنا وهناك”.

وتؤكد معطيات تقارير “السلام الآن” وغيرها “ان الجرافة الاسرائيلية تواصل عملها على مدار الساعة بلا توقف، بينما هم يتحدثون عن السلام…!

وعن آثار الجرافة الاحتلالية العملاقة كان كتب جدعون ليفي- في هآرتس-24 / 07 / 2008 يقول:”هيا بنا لننسى لحظة الـ 416 قرية التي ازالتها اسرائيل عن الوجود في عام 1948 –  ففي عام 2004 مثلا تحول 10704 فلسطيني الى اشخاص عديمي المأوى بعد ان دمر الجيش الاسرائيلي 1404 منزلاً، اغلبيتها في غزة لـ “اهداف ميدانية تتعلق بالعمليات”، وفي مخيم جنين دمر الجيش الاسرائيلي 560 منزلا، وسائق البلدوزر الاسطوري “كردي” روى كيف كان يشرب الوسكي خلال تحويله جنين الى ملعب كملعب تيدي كوليك، وفي عملية “قوس في السحاب” تلك العملية التي كانت الجرافة وسيلة فيها هدمت اسرائيل 120 منزلا في يوم واحد، ومن كان في رفح وخان يونس هو وحده الذي يستطيع ان  يدرك ما الذي فعلته جرافاتنا المتفوقة”، ويضيف:”لا تقولوا ان جرافاتنا تهدم ولا تقتل، فما الذي قتل ناشطة السلام راشيل كوري ان لم تكن رآها سائقها وفقا للشهادات من قبل ان يقوم بدهسها حتى الموت؟، ومن الذي سحق ابناء عائلة شعيبي في قصبة نابلس – جد وعمتين وام وولدين – كلهم سحقوا تحت جنازير الجرافات؟، ومن الذي قتل جمال فايد المعاق من مخيم جنين الذي لم يجد من اثره الا بقايا كرسيه المتحرك تحت انقاض كرسيه بينما لم يجدوا جثته حتى الان؟، أوليس هذا ارهاب الجرافات؟، ويستخلص:” الفلسطينيون اكتشفوا الجرافة في وقت متأخر جداً، فما هو جيدٌ لنا مناسب لهم ايضا، وكيف يقترح علينا خبراء الامن عندنا مكافحة هذه الظاهرة الجديدة؟، تدمير منازل المخربين، في الجرافات طبعا”.

   لا شك إن تعمد الاحتلال قتل وسحل وسحق الشاب الناعم والتنكيل بجثته تحت سمع وبصر العالم أجمع، جريمة بشعة تضاف إلى سجل جرائمه الأسود بحق شعبنا الفلسطيني على طول الوطن وعرضه، وبحق أهل غزة المحاصرين، يتحمل العدو الصهيوني تبعاته ونتائجه.

وفي هذا السياق يؤكد نائب مدير مركز الميزان لحقوق الانسان في غزة سمير زقوت لـ”وكالة وفا”، إن هذه الجريمة الجديدة تكشف مدى تحلل قوات الاحتلال من أبسط التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان سواء لجهة استخدام القوة المفرطة والمميتة، أو لجهة التنكيل بجثث الضحايا التي هي واجبة الاحترام في القانون”. وأضاف:”أن قوات الاحتلال تنتهك بشكل خطير ومتكرر القانون الدولي، وذلك بمنعها اسعاف الضحايا والجرحى وتركهم ينزفون حتى الموت، في وقت تتحلل من واجبها في تقديم الإسعافات الأولية للجرحى، وهو واجب أصيل بموجب القانون، وتستخدم القوة المفرطة لمن يحاولون تقديم المساعدة لهؤلاء الضحايا، ما أدى الى إصابة ثلاثة مدنيين بجروح مختلفة كانوا يحاولون اسعاف ونقل الجرحى من الميدان”.

ويشار هنا الى أن المناطق الحدودية الشرقية لقطاع غزة المحاصر منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، تشهد اعتداءات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على المشاركين في مسيرات سلمية، ما أدى الى استشهاد 317 مواطناً منهم 64 طفلاً و12 سيدة، فيما أصيب حوالي 19500 بجروح مختلفة.

   فوفق المادة 13 من قانون حماية السكان المدنيين الذي اقر عام 77 فان المدنيين يجب ان يتمتعوا بحماية عامة من الاخطار العسكرية، ويجب ان لا يكونوا هدفا لاي هجوم”، غير ان معطيات المشهد الفلسطيني تبين للعالم كله ان دولة الاحتلال تقترف جرائم الحرب على اوسع نطاق وعلى مختلف الجبهات وفي مختلف المجالات ضد الشعب الفلسطيني، حيث تشيراحدث التقارير مثلا الى استشهاد حوالي 8000 فلسطيني، منهم نحو 241 شهيدة، ونحو 1000 طفل، وقرابة 75 الف جريح، ناهيكم عن التدمير الشامل للبنى التحتية الفلسطينية، ولحوالي 82 الف منزل فلسطيني.

وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية فان “الجيش الاسرائيلي يرتكب جرائم حرب ضد الفلسطينيين”، ودعا التقرير الاسرة الدولية الى التدخل باسرع وقت ممكن..

وفي المشهد الفلسطيني ايضا:

يحتلون البلاد و ويهودون الارض والتاريخ والتراث..ويواصلون حروب التدمير والتخريب والالغاء للوجود والحقوق الفلسطينية..

ويرفضون كافة القرارات الاممية المتعلقة بهذه الحقوق..

ويرفضون كافة التدخلات والوساطات الدولية  لصالح تسوية سياسية حقيقية..

ويرفضون كافة المطالبات والتوجهات الفلسطينية والعربية  للمجتمع الدولي والامم المتحدة ..

الى كل ذلك، ففي المشهد الفلسطيني الماثل المزيد والمزيد:

فجيش ومستعمري الاحتلال يصولون ويجولون ويعيثون فسادا وتخريبا وتهديما وتهويدا…!

وقطعان المستوطنين اليهود يشنون-تحت حماية الجيش-  حربا مسعورة على الارض والمزارعين وعلى شجرة الزيتون الفلسطينية على مدار الساعة…

يقطعون ويخربون ويحرقون ويسرقون ويدمرون مواسم الزيتون الفلسطيني.

وفي القدس يعربدون ويستولون على المنازل في الشيخ جراح، وفي شعفاط والطور، وفي  سلوان وحي البستان، فيتصدى لهم الشبان والفتية في معارك يومية والحرب تدور من حي لحي ومن منزل لمنزل..

وفي منطقة بيت لحم تواصل قطعانهم مدعمة بقوات الجيش عربدتها كذلك  ضد الارض والانسان.

وفي خليل الرحمن فحدث بلا حرج، فما يجري هناك لا يقل خطورة عما يجري في القدس.

فهذا الذي نتابعه على امتداد مساحة فلسطين بعامة، من  حملات تخريبية وهجمات تدميرية، ومن حملات حرق وقطع وابادة لشجرة الزيتون الفلسطينية، وهذا الذي نتابعه من حملات اعتقالات ومحاكمات جماعية لاطفال فلسطين والقدس وسلوان على وجه الحصر، وهذا الهجوم الاستراتيجي الذي تشنه حكومة نتنياهو على الفلسطينيين والعرب لابتزاز اعترافهم ب”يهودية اسرائية…!

 كل هذا الذي نتابعه ونشاهده من كم هائل من الاحداث والتطورات المتلاحقة انما يأتي في اطار  مخطط استراتيجي صهيوني يستهدف الاجهاز على القضية والحقوق والامل في المستقبل لدى اصحاب القضية والحقوق..

وفي ضوء كل ذلك نتساءل:

– اين فلسطين من المواثيق والقوانين والاعراف والاخلاق الدولية والبشرية..؟

– لماذا تتوقف كلها عندما يتعلق الامر بفلسطين والشعب العربي الفلسطيني..؟

– اين المجتمع الدولي.. واين الأمم المتحدة.. واين مجلس الامن الدولي من المجازر الجماعية وجرائم الحرب الصهيونية المروعة المنفلتة بلا كوابح ضد نساء واطفال وشيوخ فلسطين..؟!

– اين المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب وجنرالات الاجرام في الدولة الصهيونية ..؟!

ففلسطين تتعرض الى مجزرة  حضارية كبيرة متصلة مفتوحة..

واهلنا في فلسطين يتعرضون الى حملات وموجات من القمع والتنكيل الجماعي…

والمجتمع الفلسطيني يتعرض الى التدمير الشامل المنهجي…

 والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية تتعرض الى حملات متلاحقة من الاجتياحات الحربية التدميرية الاقتلاعية الهستيرية..

دولة الاحتلال تستبيح فلسطين وشعب فلسطين استباحة اجرامية شاملة، ولم تترك مجالا من مجالات الحياة المدنية الا والحقت به الاذى والدمار…

– لماذا إذن تتعطل المواثيق والقوانين والاعراف الدولية عندما يمس الأمر الدولة الصهيونية..؟!

   أما عربيا: منطقيا يفترض ان يستفيق وينهض العرب من استخذائهم وسباتهم في مواجهة هذا الهجوم الاميركي – الصهيوني الكاسح الذي يستهدف حسب المخطط المشترك بين الادارتين الاميركية والصهيونية الامة العربية ومقومات وجودها ونهضتها وقوتها واستقلالها.

يقال: “لا يفل الحديد الا الحديد” و”لا يحبط اللاءات سوى اللاءات”، ولا يوقف بلدوزر الارهاب والاستيطان الصهيوني سوى التصدي الحقيقي له.

ونقول: طالما ان القرارات الدولية كلها بلا اسنان وغير قابلة للنفاذ ضمن المعادلات الدولية الراهنة، فلماذا لا يكون لدينا نحن العرب انيابنا الخاصة للدفاع عن امننا القومي وعن اوطاننا وحقوقنا..؟!

ومن يتحمل من العرب هذه المسؤولية التاريخية والعروبية في ظل هذه الاوضاع العربية المنهارة ….؟!

لا نفقد الامل بأمتنا وشعوبنا والقوى العروبية الحية فيها…!

الامر ممكن ومساحته وادواته العربية واسعة وكثيرة اذا ما جد الجد لدى امتنا ودولنا.. والمسألة في نهاية الامر مسألة ارادة عربية قومية سياسية تحررية.. أليس كذلك؟!!

كاتب فلسطيني