لم يستطع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا المؤسّستان السياسية والإعلامية في الكيان، الادّعاء أن الجولة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ناتجة عن سياقات إقليمية، أو أنها أتت تنفيذاً لمطالب خارجية، كما يتمّ الترويج دائماً في الخطاب الدعائي المضادّ للمقاومة.
فقد كان واضحاً للرأي العام "الإسرائيلي" أن همجية جيش الاحتلال، ومسّه بكرامة الإنسان الفلسطيني، دفعا «حركة الجهاد الإسلامي» إلى المبادرة للثأر من المستوطنات وجنود العدو. كذلك، كشفت هذه الجولة هشاشة التهديدات التي سبق أن أطلقها المسؤولون "الإسرائيليون"، وأظهرت تماسك المقاومة في القطاع وحَزْمها وحكمتها في الوقت نفسه، إلى حدّ أن معلّقين عسكريين "إسرائيليين" اعترفوا بأن «الجهاد» هي التي أَمْلَت القواعد وفرضت معادلتها.
بدا واضحاً أن الطرفين يحرصان على عدم الدفع نحو مواجهة عسكرية واسعة، كلّ لدوافعه المتّصلة بأولوياته ومصالحه. ارتدعت "إسرائيل" نتيجة إدراكها محدودية خياراتها، وتحديداً على مسافة أيام معدودة من موعد الانتخابات.
بتعبير آخر، وعت قيادة الاحتلال الإسرائيلي أنها لا تستطيع الرهان على ردع المقاومة ودفعها إلى الخضوع لإملاءات الاحتلال، وأن التصعيد سيدفع نحو ردود متبادلة تؤدّي إلى دكّ العمق "الإسرائيلي" وصولاً إلى تل أبيب.
في المقابل، حرصت «الجهاد» على جَبْي أثمان مؤلمة من العدو في أمن مستوطناته وقوة ردعه، ردّاً على الهمجية التي أظهرها جيشه. لكنها في الوقت نفسه أظهرت استنادها إلى حسابات محدّدة في أدائها الميداني، الذي جمع ما بين تعزيز صورة ردع المقاومة، والمحافظة على الوضع الأمني تجنّباً لتفاقم الوضع الإنساني والحياتي في القطاع، وخاصة أن العدو التزم سقفاً محدّداً في معادلة الردّ.
هذه الصورة حضرت في تحليلات بعض المحلّلين الإسرائيليين، الذين اعتبر بعضهم أن الجولة التي شهدها جنوب فلسطين المحتلة لا علاقة لها بأيّ حدث داخلي أو خارجي، «لا إيران، ولا سوريا، ولا التهدئة، ولا الانتخابات حتى»، بحسب ما قال المعلّق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان.
ورأى فيشمان أن «جولة إطلاق النيران في اليومين الأخيرين، والتي كان بالإمكان أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة، جاءت للردّ على المسّ بالكرامة الوطنية الفلسطينية»، لافتاً إلى أن «إهانة الجثة، في جميع الثقافات، تُنتج غضباً شديداً. وهذه هي القصة الحقيقية».
والجدير ذكره، هنا، أن التقارير "الإسرائيلية" تحدّثت عن إطلاق «الجهاد» حوالى 100 صاروخ في يوم ونصف يوم، كَلّفت إسرائيل أكثر من 20 مليون دولار.
وأوضحت التقارير أن كلفة كلّ صاروخ اعتراضي تبلغ 100 ألف دولار، في حين أن كلفة الصاروخ المنطلِق من القطاع لا تتجاوز عدة آلاف من الشواكل، مبيّنة أن الكلفة الإجمالية بالنسبة إلى إسرائيل بلغت 70 مليون شيكل.
من جهته، اعتبر المعلّق العسكري في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، يوآف ليمور، أن التصعيد الأخير يضع "إسرائيل" أمام مشكلة متجدّدة، متمثّلة في ما ينبغي فعله إزاء حركة حماس، بصفتها الجهة الحاكمة في القطاع.
ولفت ليمور إلى أنه لم يكن من مصلحة "تل أبيب" دفع حماس إلى التدخل العسكري، لأن ذلك من شأنه التسبّب في مزيد من التصعيد.
وأضاف أن القيادة "الإسرائيلية" تدرك مسبقاً أن بقاء الحركة جانباً لن يكون دائماً إذا ما استمرّت المواجهة العسكرية، واتّسع نطاقها، وتجاوزت "إسرائيل" سقوفاً محدّدة فيها.
ومن هنا أظهر نتنياهو حرصاً على خفض التصعيد، أملاً في الوصول إلى يوم الانتخابات في أجواء أمنية هادئة، خاصة في ظلّ معرفته بأنه لن يستطيع ردع فصائل المقاومة، ولا تدمير منصّاتها الصاروخية، ولا إحداث تغيير في المعادلة القائمة مع القطاع.
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية