| راسم عبيدات
نتنياهو يعي تماماً بأن الإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية القادمة،والتي لم يتبق عليها سوى أقل من أسبوعين حاسمة بالنسبة لمصيره السياسي والشخصي،إما ان يكون رئيس الوزراء القادم،وبالتالي يتمكن من سن ما يسمى بالقانون الفرنسي ويحصن نفسه من المحاكمة،بحيث هذا القانون يمنع محاكمته طالما هو يتولى رئاسة الوزراء،أما إذا فشل بالفوز في الإنتخابات القادمة،فهذا يعني بأن مصيره سيكون السجن،فمن بعد تقديم لائحة الإتهام ضده من قبل المستشار القضائي للحكومة مندلبليت،المشتملة على ثلاثة بنود خطيرة هي الرشوة والإحتيال وسوء الإئتمان، وقد حددت اولى الجلسات لمحاكمته في ال 17 من الشهر القادم،وأغلب الظن بأن فرص إدانته كبيرة،وحينها سيذهب الى السجن لقضاء عدة سنوات خلف قضبانه،ولكي ينجو نتنياهو من هذا المصير،فهو مستعد لعمل أي شيء،حتى التحالف مع الشيطان،والعرب الفلسطينيين الذي لم يترك أي فرصة للتحريض عليهم ويمارس التميز العنصري بحقهم سواء فيما يتعلق بتوفير الأمن والأمان،وغض الطرف والتساهل عن العنف والجرائم المتصاعدة في قراهم وبلداتهم ووسطهم،نتيجة تقاعس شرطة الإحتلال،وعدم قيامها بجمع قطع السلاح من أيدي السكان،وإطلاق يد "المافيات"،وكذلك رؤيتها بأن الإستمرار في هذا المسلسل من شانه بث الرعب والخوف في صفوف الفلسطينيين العرب،وإنشغالهم في مشاكلهم الداخلية،وهذا يسهم الى حد كبير في تحقيق ما يصبو اليه الإحتلال من تفكيك للنسيجين الوطني والمجتمعي لشعبنا الفلسطيني هناك،والتميز لا يقف عند هذا البند او ذاك الحد،بل نجد تجليات ذلك في التعليم،وسن قانون "كيمنتس" لتسريع هدم المنازل العربية غير الحاصلة على ترخيص لجهة تقليل فترة الإجراءات القانونية،وتحويل عمليات الهدم الى لجان إدارية قُطرية،تلزم المجالس المحلية العربية،المشاركة في عمليات الهدم،وقد شهدنا عمليات هدم طالت المنازل العربية في قلنسوة واللد وقرية أم الحيران في النقب،في حين هدمت قرية العراقيب للمرة الرابعة والسبعين بعد المئة،وكذلك لا ننسى سن قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيوني،الذي لا يعترف بأية حقوق سياسية ووطنية لشعبنا هناك،كأقلية قومية،بل يتعامل معهم كتجمعات سكانية غير متجانسة،وفي المحصلة النهائية يستهدف طردهم وتهجيرهم..نتنياهو الذي فجأة يبدي إهتمامه بالعرب في الداخل الفلسطيني – 48 -،ويدعي ويقول انه اكثر من استثمر في الوسط العربي،وانه هو من أقر الخطة رقم (922) لتطوير البلدات العربية،،وانه عمل على انشىء 15 مركز شرطة جديد في الوسط العربي،ورغم ذلك نقول بأن مستوى العنف والجريمة في الوسط العربي هناك لم تتراجع.
نتنياهو المعروف كرجل "ببروغندا" وعلاقات عامة ومفاجأت،ليس بالغريب إذا ما شاهدناه يعتمر الكوفية العربية والقمباز ويطلق لحيته ويمارس عملية التسبيح بمسبحة مكونة من مئة حبة وحبة،فهمه الأول والأساسي هو الفوز في الإنتخابات،ولذلك يعزف على وتر الدين والحج والعمرة عند شعبنا هناك،ويريد ان يوظف ذلك خدمة لمصالحه الإنتخابية،فرئيس كتلة الليكود في الكنيست "ميكي زوهر" أعلن عن تنظيم رحلات للحج بقيمة (5000 ) شيكل،ما يعادل ربع تكاليف الحج،وكذلك وزير داخلية الإحتلال "آريه درعي" بالتزامن مع اعلان صفقة القرن من واشنطن في 28/1/2020 أعلن السماح لمواطني الداخل الفلسطيني – 48 – بزيارة السعودية دون تأشيرة دخول لأغراض الحج والعمرة او لأغراض تجارية،وهذا يعني الإستغناء عن جواز السفر الأردني المؤقت،الذي يستخدمه أبناء شعبنا هناك في رحلات الحج والعمرة،واكثر من ذلك تحول نتنياهو بقدرة قادر الى " شيخ مسلم سني" تعنيه امور الحج والعمرة،حيث اقتبس الآية 27 من صورة الحج " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً على كل ضامر ويأتين من كل فج عميق "،ووضعها على صفحته على الفيسبوك .
نتنياهو نعرف انه يكذب كما يتنفس،فهو يدرك ان صفقة القرن،صفعة العصر الأمريكي،تنطوي على عملية تطهير عرقي بحق أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني من المثلث،وهدفه من كل هذه "الببروغندا" مصالحه الإنتخابية، ولذلك هو يحرض على القائمة العربية المشتركة،التي تستقطب معظم الأصوات العربية للمشاركين في الإنتخابات،وشاهدنا ذلك في لقاءه مع فضائية " يا هلا" في الداخل الفلسطيني – 48 -،حيث يتساءل بحوار بالعامية العربية بالقول "شو عملت لك المشتركة؟"، ليقدّم الجواب مدّعيا بأن المشتركة عمِلت "ولا إشي"!،وكذلك رأينا حملة التحريض التي قام بها في تشرين ثاني من العام الماضي ضد النواب العرب في " الكنيست" فقد شن هجومًا على النواب العرب في الكنيست واصفًا إياهم بـ"داعمي الإرهاب، أعداء إسرائيل"، واعتبر أن إقامة حكومة ضيقة (أقلية) تستند إلى دعمهم هي"عملية (عدائية) قومية تاريخية في دولة إسرائيل".
وتابع تحريضه حينها بالقول إن "النواب العرب ليسوا صهاينة، ولا يدعمون دولة إسرائيل، إنهم يدعمون منظمات الإرهاب، ويصفون الجنود الإسرائيليين بالقتلة ويريدون مقاضاتهم كمجرمي حرب. تشكيل حكومة أقلية تعتمد عليهم، هو خطر كبير على دولة إسرائيل ولحظة انهيار لا مثيل لها في تاريخ الدولة".
وذكر أن "تشكيل حكومة أقلية تستند إلى العرب، خطر وجودي على دولة إسرائيل، وتعبير عن حالة طوارئ ولحظة مصيرية في تاريخ دولة إسرائيل"، واعتبر أنه إذا ما تم تشكيل حكومة أقلية بدعم القائمة المشتركة، "سيحتفلون في طهران ورام الله وغزة، كما يحتفلون بعد كل عملية ضد أهداف إسرائيلية".
نتنياهو يكثر الحديث بشكل كبير جداً عن حجم التطبيع العلني والسري بين دولته وبين دول النظام الرسمي العربي ،وقال لو سألني البعض قبل عشر سنوات باننا سنصل في هذه العلاقات التطبيعية الى ما وصلت إليه الان لقلت بان ذلك اضغاث احلام....وحقيقة نحن نشهد " إندلاق" تطبيعي وهرولة من قبل النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن على دولة الإحتلال،وما يقوله نتنياهو بأنه أحدث ثورة في العلاقات مع النظام الرسمي العربي والدول الإسلامية التي لا تقيم علاقات مع دولته،ينطوي على جزء كبير من الصحة،فأغلب دول النظام الرسمي العربي،الرافضة لصفقة القرن علناً،تدعمها بالسر وتشارك بها،وشاهدنا كيف أن ثلاث سفراء عرب،سفراء عُمان،التي التقي نتنياهو سلطانها الراحل قابوس في تشرين اول/2018 في مسقط،البحرين والإمارات،وكذلك دعم ومساندة مصر والسعودية لما يسمى بالدور والجهد الأمريكي لصنع السلام في المنطقة،والحديث عن الجوانب الإيجابية في صفقة القرن،ومن ثم لقائه مع رئيس المجلس العسكري الإنتقالي" السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان في 5/2/2020 في عنتيبه الأوغنديه،لتطبيع العلاقات بين البلدان،والمسلسل التطبيع الرسمي وغير الرسمي قائم ومستمر مع اكثر من دولة عربية وإسلامية منذ سنوات طويلة...الإنتخابات القادمة والفوز بها بالنسبة لنتنياهو معركة مصيرية، ولذلك هو لا يوظف التطبيع فقط في معركته الإنتخابية مع خصومه،بل هو يريد ان يوظف قضية الحج والعمرة واللعب على المشاعر الدينية لشعبنا واهلنا في الداخل الفلسطيني من اجل الحصول على أصواتهم في معركته الإنتخابية لتعزيز فرص فوزه في الإنتخابات القادمة،وكذلك استخدامهم كرأس جسر في التطبيع مع العالم العربي ،وجسر التطبيع ما بين اسرائيل ودول النظام الرسمي العربي متدحرجة ومتواصلة.