Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الكيان الصهيوني وخوفه المتلازم على بقائه

قناة فلسطين اليوم - وكالات

| تحسين الحلبي

جميع دول العالم الطبيعية والأصيلة في منشئها، لا توجد في ثقافة شعوبها وتطورها فوق أراضيها، مخاوف على مصير كيانها السياسي أو مستقبل دولتها ووجود شعبها، لكن الكيان الصهيوني يعتمل خوف دائم عند قيادته والمستوطنين فيه من الزوال، وهذا ما يحمله خطابه السياسي والفكري الصهيوني منذ الإعلان عنه عام 1948 وذلك حين نقرأ فيه عبارات ومفاهيم استراتيجية تعبر عن قلق وجودي مثل «العمل على المحافظة على بقاء إسرائيل واستمرار وجودها» و«العمل على مجابهة كل ما يهدد مصيرها ووجودها».

ولتحقيق هذا الهدف تحدد قيادتها في وثائقها واستراتيجيتها أن أهم عامل حاسم يضمن استمرار بقائها هو وجود قوة عظمى عالمية تضمن هذا الوجود، بينما لا يوجد في كل مفاهيم واستراتيجيات الدول الطبيعية مثل هذا الشرط الخارجي بالذات.

وقد اهتمت مراكز الأبحاث والدراسات الصهيونية في تل أبيب والعالم بهذه الخاصية الاستثنائية للكيان الصهيوني، فعقدت ندوات وورشات عمل فكرية وسياسية للتوصل إلى خطط ووسائل يتعين إيجادها للمحافظة على بقاء الكيان الصهيوني، ومن بين هذه الدراسات كانت البروفيسورة في علم التاريخ في جامعة حيفا (فانيا عوز- زالتسبيرغر) قد نشرت في تموز عام 2015 دراسة موجزة بعنوان «إسرائيل عام 2025: اهتزاز مستقبل وجودها» ونشرته في مجلة «بوليتيكو الأوروبية» استعرضت فيها بعض السيناريوهات عن مستقبل «إسرائيل» في السنوات العشر المقبلة والتي مضى عليها الآن خمس سنوات.

كتبت فانيا وهي ابنة المفكر الصهيوني والروائي عاموس عوز في عام 2015 أن «العالم والشرق الأوسط بالذات من المتوقع أن يشهد تغيراً في المناخ والبيئة ونقصاً في الغذاء والكوارث الطبيعية، لكن ذلك لن يزيل «إسرائيل» من الوجود، بل إن صاروخين نوويين أو واحداً فقط تطلقه إيران ويسقط فوق تل أبيب- وهي أكبر مركز للكثافة الاستيطانية- يمكن أن ينهي وجودها ». هذا الاستنتاج الذي تطرحه فانيا تأخذه على محمل الاحتمال الوارد لأنها تضيف:«..وهذا السيناريو يجعلني لا أقبل الرأي القائل إن احتماله صفر».

ورغم أن هذا القول يعبر عن قلق حقيقي على وجود «إسرائيل» لكن من المرجح أنه ينطوي على تحريض غير مباشر ضد إيران من خلال الإشارة إلى الصواريخ النووية مع أن إيران أصلاً تحرّم إنتاج وامتلاك الأسلحة النووية.

ونحن نرى أنه بغض النظر عن موضوع قنبلة نووية واستحالة استخدامها من إيران أو غيرها من دول المنطقة لعدم الحاجة إليها أمام خيارات أخرى متوافرة بل إن «إسرائيل» هي الوحيدة التي تمتلك الأسلحة النووية، لكن هذا السيناريو يعني في النهاية أن أي حرب تتعرض فيها إسرائيل لهزيمة حاسمة استراتيجية فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى انتهاء وجودها، بينما بمقارنة بسيطة يعرف الجميع أن الولايات المتحدة ضربت قنبلتين نوييتين ضد مدينتين كبيرتين في اليابان عام 1945وتسببت بإبادة وحشية لعدد كبير من الشعب الياباني ولم يتهدد مصير ووجود اليابان وبقي وجودها مستمراً برغم استسلامها من دون قيد أو شرط، لأنها دولة طبيعية بشعبها وتاريخها وتطورها فوق أراضيها وليست «كإسرائيل» التي أنشأتها بريطانيا بعد اغتصاب وطن الشعب الفلسطيني ونقلت إليها المستوطنين من كل بقاع الأرض ككيان يقوم بوظيفة لمصالحها في المنطقة.

وتضيف فانيا: «وفي مثل هذا السيناريو ستتحول إسرائيل إلى صورة مأساة ومهزلة زائفة لكني لن أكون موجودة فيها في ذلك الوقت» وتشير إلى سيناريو آخر تتوقع فيه صداماً عنيفاً وحاداً في داخل «إسرائيل» يسيطر على الحكم فيها أكثر المتشددين فتزداد حدّة الصدام ضد الفلسطينيين أو بين الإسرائيليين أنفسهم وينتشر الخراب فينهار الاقتصاد والإنتاج والمصادر المالية للإسرائيليين وتفقد «إسرائيل» صفة «أرض اللبن والعسل» وهذا يعني أن المستوطنين سيغادرون نحو أوطانهم التي جيء بهم منها.

وفي مثل هذا السيناريو لن يكون في مقدور الشرط الخارجي- الذي تمثله قوة كبرى تضمن وجود الكيان- القيام بدوره، لأن قيادة الكيان نفسها ستتعطل وظيفتها وتصبح بلا جدوى مادامت وصلت إلى ذلك الحد من الصدام الداخلي أو في مواجهة مقاومة أضخم وأعمق، فلسطينية وعربية، تعجل بتحقيق الانتصار الحاسم على هذا الكيان المحتل ومستوطنيه.

ولذلك، بدأ قادة الكيان الصهيوني يعربون عن خشيتهم من تناقص عدد اليهود في الكيان مقابل ازدياد اليهود في الخارج دونما هجرة تدعم قدراته ومن دون ضمان للأمن الداخلي لمستوطنيه، فالكيان محاصر بأصحاب الأرض الفلسطينيين في الداخل.. ومن الخارج بالشعوب العربية المجاورة لفلسطين التي تتطلع إلى استعادة حقوقها الوطنية والقومية في وطنها وقدسها. ولم تنفع كل اتفاقات التطبيع مع عدد من الحكام العرب حتى بعد مرور أكثر من أربعين عاماً عليها، فهناك أمة بكاملها لم ولن تطبع مع هذا الكيان، وهذا ما يدركه الجميع بمن في ذلك قادة أميركا وتل أبيب.