بقلم: سعيد بشارات
بعد أيام قليلة من إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، فجأة تغير الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وحتى العالمي بالكامل، وبدأ يتحدث الجميع عن شيء واحد فقط_ "صفقة القرن" لدونالد ترامب_، أو ما يطلق عليها في الأوساط اليمينية الإسرائيلية باسم "خطة الانفصال 2.
أكثر المواقف المتشددة في هذا الموضوع ما كشف عنه نداف شرجاي، من صحيفة يسرائيل هايوم الإسرائيلية_ والتي تعتبر الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الحاكم في إسرائيل "الليكود"، شرجاي كتب أن خطة ترامب ستترك لإسرائيل السيادة على البلدة القديمة، لكنها "تتحدث عن مشاركة الفلسطينيين في إدارة المنطقة، بمشاركة إدارية رمزية للفلسطينيين.
صفقة القرن موافقة ومنسجمة مع ما يريده الإسرائيليين ومتعكزة على القوة السياسية للإنجيليين الذين يقفون الى جانب إسرائيل في هذا الموضوع وهم من يعمل على تشديد الخناق على الفلسطينيين وخاصة بما يتعلق بالدعم المالي الذي تم حجبه عن السلطة الفلسطينية، وهؤلاء الإنجيليين هم من يعتمد عليها الرئيس ترامب بخصوص العلاقة مع إسرائيل. وبتأكيد فلن يوافقوا على فرض ما لا تريده إسرائيل.
فنتنياهو هو من وضع التفاصيل الدقيقة للخطة كما سرب الإعلام عبر رجاله المعروفين في البيت الأبيض وعبر السفير الإسرائيلي في واشنطن كما سنرى لاحقاً, و كذلك السعوديين الذين كشفت مصادر مطلعة على أن محمد بن سلمان ولي عهد السعودية هو من طلب شخصياً من الرئيس الأمريكي ترامب أن يطبق خطته على الأرض دون الإعلان عنها، لأن الإعلان عنها سيسبب مشاكل للحكومات والزعماء العرب، هم بغنى عنها، وهذا ما حدث، وقد صرح كوشنر و جرينبلات أكثر من مرة، بأن الصفقة تقريباً تم تنفيذ جلها دون أي ضجيج ، وأكبر خطوة فيها كانت الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية الى القدس , وليس آخرها الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان, كذلك على علم بتفاصيل الصفقة أكثر المتضررين منها, الأردن، والتي تبدي معارضة ظاهرية خجولة ،لكنها في واقع الحال تنفذها بحذافيرها مع إسرائيل وخاصة بما يتعلق بالقدس والأماكن المقدسة فيها، وما تقوم به الآن من معالجات داخل اسوار الحرم القدسي هو ترتيبات للإدارة المستقبلية التي سيتم الثبات عليها, وحتى موضوع إخراج الحركة الإسلامية من الحرم هو من ضمن الإدارة لهذا الملف وتهيئة الأرضية للحدث الكبير المتمثل بفرض السيادة الإسرائيلية على الحرم وهو ما يسعى اليه اليمين الان، وقد ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الوزيرة ميري ريجف في حال تم تعيينها وزيرة للأمن الداخلي في حكومة نتنياهو القادمة فستقوم بالسماح لمنظمات جبل الهيكل بذبح القرابين داخل الأقصى وهو نوع من علامات السيطرة و فرض السيادة الإسرائيلية على المكان.
رئيس الحزب الجمهوري الأمريكي في إسرائيل، المحامي مارك تسيل ، يرد على التقارير الأخيرة حول خطة الرئيس ترامب للسلام خاصة تلك التي كثرت بعد الانتخابات الأخيرة، ويوضح قائلاً أن: "ما يختاره الناخب الإسرائيلي سيحدد طبيعة المصالح وستحترم الولايات المتحدة ذلك، لذلك المسار سيقود بشكل مؤكد الى تحقيق حلم إسرائيل عبر رافعات هذا التيار التي ستكون جزءً رئيساً في حكومة نتنياهو القادمة، وخاصة اذا ما حصل هذا التيار على حقيبة الدفاع والقضاء والتعليم، وهو حلم الضم و التعامل مع السكان الفلسطينيين كما كان يطرح نفتالي بينت و الوزيرة شاكيد، من خلال ضم الفلسطينيين الى الأردن أو غزة حسب تعبيرها، أو منحهم حكماً ذاتياً بإشراف أردني سعودي.
"خطة القرن" أو "صفقة القرن" ليست خطة ترامب، بل هي خطة نتنياهو، حيث يشير الإعلان الأمريكي وخاصة بعد الاعتراف بهضبة الجولان كمنطقة إسرائيلية، وخاصة توقيته عشية الانتخابات، إلى أن الرجال الذين يعملون الى جانب الرئيس ترامب هم تقريبًا "يعملون" مع نتنياهو مباشرة، وبالتالي فأي اتفاق مستقبلي، أو حل، يجب أن يمر من خلاله_ من خلال نتنياهو.
ويبنون على أن مجرد إعلان الولايات المتحدة عن السيادة الإسرائيلية على الجولان، وخاصة توقيتها عشية الانتخابات، هو أشار إلى أن نتنياهو وإدارة ترامب بينهما علاقة حميمة وتعاون وثيق، وأن موظفي ترامب في البيت الأبيض "يعملون" حقًا لصالح نتنياهو ومن أجله شخصياً، وأنهم على استعداد لفعل كل شيء من أجله.
وهذا أمر يعزز بقوة الفرضية القائلة بأن "خطة القرن" ليست خطة ترامب حقيقةً، بل خطة نتنياهو، لذلك لن تجبره الإدارة الأمريكية على قبول أي شيء. ترامب أعطى مستشاريه شيكًا مفتوحًا، وهم بدورهم جلسوا حول نتنياهو وصاغوا الخطة تحت إشرافه. إنهم أيضًا وحسب ما يسربه الإعلام الإسرائيلي، هم الذين أحضروا الى "حفل الزفاف" الدول العربية "المعتدلة". لذلك من المؤكد القول في ضوء هذه العلاقة غير العادية، أن الخطة هي من ذهن ومن بنات أفكار نتنياهو وبموافقته الكاملة.
حسب مصادر إسرائيلية فأن المرحلة التالية بعد نشر الخطة ورفض الفلسطينيين لها ستكون مرحلة الضم وتنشيط البناء الحر والمفتوح في الضفة الغربية. وهي خطوة لا يخفيها نتنياهو، لا قبل الانتخابات ولا بعدها، وهي حقيقة كشفت عنها منظمة "قادة من أجل أمن إسرائيل" وهي خطوة "ب" في عملية ضم الضفة الغربية، والتي ستتم بعد تشكيل الحكومة، لذلك لا غرابة بان يطلب اليمين الديني حقيبتي القضاء و الدفاع، لانهما هما الوزارتين التان سيتم تنفيذ الضم عبرهما، في الواقع_ تقول المصادر الإسرائيلي-، أن خطط البناء والخرائط في إسرائيل جاهزة منذ سنوات ، لكن البناء تم تجميده لفترة طويلة جدًا_ وهنا أيضاً الحديث يدور عن تجميد ظاهري، حيث تفيد المعطيات على الأرض على أن البناء لم يتوقف ولا لحظة، والدليل ما قاله نتنياهو قبل الانتخابات بيوم من أن البناء في المستوطنات في الضفة الغربية لم يتوقف ولا لحظة وعدد المستوطنين بالعكس زاد_. لكن تقول هذه المصادر أنه وبعد أن يرفض الفلسطينيين الخطة، سيبدأ العمل في بناء وحدات سكنية في مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية وتنفيذ هذه الخرائط المجمدة.
كانت آخر صرخات نتنياهو في الحملة الانتخابية الأخيرة التي انتهت في 8/4/2019 هو دعمه لتدابير ضم الضفة الغربية بالفعل في ولايته المقبلة. قام نتنياهو في الأيام الأخيرة بإدراج القضية في رسالته الانتخابية وذكر إمكانية فرض السيادة الإسرائيلية في المستقبل على الأراضي المحتلة بما لا يقل عن ثلاث مرات في المقابلات والإحباطات الإعلامية لوسائل الإعلام المفضلة لديه (القناة 7، والقناة 20). الأمر ليس بالمصادفة، كما قال بعض الخبراء وراء الكواليس لصحيفة هآرتس.
بدأت علامات الضغط المتزايد على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن هذه المسألة في الارتفاع في نهاية فترة ولايته السابقة. لقد اضطر نتنياهو للتعامل مع موجة من المبادرات لضم غور الأردن ومعاليه أدوميم والمستوطنات في القدس الشرقية، بل إن لجنة الليكود المركزية اتخذت قرارًا رسميًا بالعمل على ضم الضفة الغربية. في ضوء هذه التحركات، بدأ نتنياهو بإخبار أعضاء كتلته وأعضاء آخرين في الائتلاف بأنه مؤيد إيديولوجيًا وضميرًا للضم في المستقبل.
على الهامش، تمت الموافقة على القوانين التي تهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، مثل القانون الذي أجبر جامعة آرييل للتعامل مع مجلس التعليم العالي في إسرائيل، والقانون الذي تضمن تبييض المستوطنات المعروف بقانون التنظيم. وإسرائيل استولت ايضاً على المنطقة "ج" في السنوات الأخيرة وقامت بضمها فعلياً لها.
صحيفة واشنطن بوست ذكرت أن خطة ترامب للسلام من المتوقع ألا تشمل إقامة دولة فلسطينية، ولكن فقط حكم الذاتي_ فصلته أييلت شاكيد وزيرة القضاء في حكومة. وستشمل الخطة أيضاً اعتراف الدول العربية بإسرائيل، لكن تقارير يتعمد زعماء ومسؤولون في دول الخليج نشرها عبر الإعلام الإسرائيلي تفيد بأنهم لن يقبلوا بأي اعتراف قبل حل القضية الفلسطينية، وهو أمر تكذبه تسريبات تفيد بأن القضية الفلسطينية أصبحت من الماضي وليست على أولويات أي دولة خليجية، وما يهمها اليوم هو الحرب ضد إيران وبناء تحالف أمنى مع إسرائيل ضد إيران وهو أمر تستعد دول الخليج للتنازل من أجله عن أي شيء.وتتعامل الخطة أيضاً، على نطاق واسع مع احتياجات إسرائيل الأمنية، وهو أمر رئيسي واستراتيجي بالنسبة لها، باعتبار الضفة منطقة جبل مطل لا يمكن النزول عنه، وكوشنر، المعروف بانه "العقل" من وراء بناء الخطة، التي لا تزال تفاصيلها الرسمية غير معروفة، والتي كان قد عمل عليها منذ عامين. تستند إلى أربعة مبادئ أساسية: من أهمها الى جانب الحرية والكرامة وأنها فرصة، الأمن، وهو المبدأ الثابت الذي لن تتنازل عنه إسرائيل، وهو المبدأ الذي بنى عليه المعارضون لأوسلو فرضية أن إسرائيل دخلت هذا الاتفاق كي تماطل وتكسب الوقت ولكنها لن تتنازل عن شبر من الضفة، والسبب الأمن.
بالمقابل تلعب الدول الأوروبية دور المعارض لنشر خطة القرن وما جاء فيها، وهي في الحقيقة، فهي تقوم هنا بدور الإطفائي الذي يحاول إخماد الحريق الكبير من أجل تقليل الأضرار، لكن هي في الحقيقة تشارك في تنفيذ صفقة القرن، لأن القضية الفلسطينية تمسها بشكل مباشر من ناحية المسؤولية التاريخية عن القضية الفلسطينية، ومن ناحية نقل الملف الى الإدارة الأمريكية لكن بشكل خجول ومتدرج. فقد نشرت صحيفة الجارديان البريطانية رسالة من مسؤولين سابقين في الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم ستة رؤساء وزراء و25 وزيراً للخارجية، طالبوا بتأجيل نشر الخطة لأنها غير عادلة للفلسطينيين. ويجادل هؤلاء القادة السابقون بأن على أوروبا أن تقف إلى جانب حل الدولتين وتدين سياسة إدارة ترامب التي يزعمون أنها أحادية الجانب لصالح إسرائيل.
- وساطة الجنون ودبلوماسية تويتر
في أيلول / سبتمبر 1978، خلال مؤتمر كامب ديفيد للسلام، قدم الرئيس الأمريكي كارتر إلى الممثلين الإسرائيليين والمصريين وثيقة أمريكية كانت بمثابة مسودة لاتفاق بين البلدين، والتي كانت الأساس للمناقشات في المؤتمر، وبعد سلسلة من التعديلات والإضافات. توصل الطرفان إلى الصيغة النهائية للاتفاقية. بعد مرور 22 عامًا، كان الرئيس كلينتون هو من حاول المضي قدمًا في خطوة مماثلة من الوساطة، ففي ديسمبر 2000 قدم لإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية مخططًا لاتفاقية الوضع النهائي، خلاله قدم الوسطاء أيضًا خطط سلام.
الهدف من تقديم "خطة السلام" في عملية الوساطة هو الإشارة إلى مجال محتمل للاتفاق والضغط على الطرفين للمضي قدماً إلى اتفاق، وهي عملية حساسة تنطوي أيضًا على العديد من المخاطر. لذلك، فإن الموضوع يتطلب ظروف مناسبة، وعمل تحضيري دقيق وجاد، وفهم عميق لمواقف الأطراف، والوضع على أرض الواقع.
لفترة طويلة، ووسائل الإعلام_ سواء العالمية أو الإسرائيلية_، تذكر أن إدارة ترامب تستعد لتقديم "صفقة القرن"، والتي من شأنها أن تقترح خطة لاتفاق إسرائيلي فلسطيني. لا يُعرف سوى القليل جدًا عنها- وعن تاريخ نشرها، وبرنامجها، وأهدافها، ولا حتى طريقة تقديمها أو عرضها.
في جميع الحالات التي تم طرح خطط سلام خلالها، (كارتر 1978، وفانونو 1993، وكلينتون 2000، وعنان 2004) تم وضع الخطة من قبل طرف ثالث (ممثل لدولة أو منظمة دولية أو إطار دولي آخر) أدى إلى عملية وساطة قبلها الطرفان واتفقا عليها (حتى لو لم يتم تصور الوسيط بالضرورة محايدًا من قبلهم) وكان في حوار مستمر وعميق مع الجانبين. تم تقديم الخطة في هذه الحالات بعد مفاوضات مكثفة شارك فيها الوسيط وكانت تهدف إلى وضع مقترحات لسد وتقليل الخلافات والفجوات المتبقية.
عند النظر إلى "خطة سلام ترامب"، فإننا نواجه ظاهرة أخرى، كانت الولايات المتحدة وسيطًا رئيسيًا في عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ اتفاقات أوسلو في عام 1993 (عندما كانت محادثات أوسلو تتم بمساعدة الأطراف بواسطة وساطة نرويجية). تم الحفاظ على هذا الوضع على مر السنين وعبر مختلف الإدارات، وتم التعبير عنه في مؤتمرات واي (1998)، وكامب ديفيد (2000)، وأنابوليس (2008) ومبادرة كيري (2013/4). لم ير الفلسطينيون_ ممثلين بتيار الحل السلمي_ أبدًا الولايات المتحدة محايدة، لكنهم قبلوها كوسيط نظرًا لفهم أنها وحدها القادرة على الضغط على إسرائيل، وفي بعض الحالات دفعوا هم نفسهم من أجل التدخل الأمريكي، على أمل أن يقلل ذلك من التباين بينهم وبين إسرائيل.
خلقت تحركات الإدارة الحالية واقعًا مختلفًا وغير مسبوق منذ عام 1993، والذي غير قواعد اللعبة. فقد قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واغلاق الممثلية الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات للفلسطينيين (بما في ذلك المساعدات التي تذهب للمستشفيات في القدس الشرقية ومنظمات التعايش) وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة بأشكال عديدة بأنها لا تلتزم بحل الدولتين، واعترف ترامب بضم مرتفعات الجولان وهو ما يعتبر تنازلًا عن أحد المبادئ الأساسية لعملية السلام، وقرار مجلس الأمن رقم 242. في ظل هذا الواقع، حدث هناك انفصال بين الولايات المتحدة والقيادة الفلسطينية في رام الله. فبدلاً من المضي قدماً في حل النزاع، نشأت توترات جديدة بين الولايات المتحدة والفلسطينيين، وأصبحت العلاقة تتم بين الوسيط الأمريكي جيسون جرينبلات والقيادة الفلسطينية من خلال التغريدات والتعليقات على تويتر، وهو عنصر فريد من نوعه أصبح يعرف بـ "دبلوماسية تويتر" في عهد ترامب.
وبما أن الأمر كذلك، فإن الظروف في هذه الحالة تختلف تمامًا عن الأمثلة الأخرى للوسطاء الذين قدموا خطط السلام كجزء من عملية الوساطة. فهذا ليس وسيط متفق عليه بين الطرفين. لأن عنصر الثقة والحيادية غير موجود هنا.
حيث يُنظر إلى سلوك الولايات المتحدة بشأن خطة ترامب للسلام على أنه تخلي عن المبادئ الأساسية للوساطة الأمريكية منذ أوسلو ومحاولة للعودة إلى الدبلوماسية الأمريكية لمؤتمر كامب ديفيد الأول في عام 1978. في ذلك الوقت، تم مناقشة مستقبل الفلسطينيين مع دولة عربية، وليس مع ممثلين فلسطينيين، وتناولت المناقشات في ذلك الوقت إمكانية إقامة حكم الذاتي، بدلاً من الدولة، وهي مقترحات قديمة عرضها نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس".
لذلك هناك من يقول إن ترامب أطلق عليها "صفقة القرن"، ليس لأن من وضعها كان لديه بالفعل أفكار مبتكرة وجديدة وجريئة لكسر الجمود والوساطة، ولكن لأن واضعها قرر قبل عقود أنه أفضل صيدلي في العالم، لذلك وصفها بأنها "صفقة القرن"، وهو وصف من رجل مصاب بالجنون ويعتقد أنه لا يستطيع أحد أن يرفض صفقته، لاعتقاده أنه سوف ينجح في تحقيق ما لم ينجح أي رئيس من قبله بفعله، وأيضا لأنه اسم كبير لخطة السلام. تبدو صفقة القرن مثيرة أكثر بكثير من خطة كلينتون أو خطة كيري. هي أكبر بكثير، فهي تاريخية، وفخمة، وفريدة_ من وجهة نظره.
صفقة القرن لترامب ستحدد وضعه باعتباره مسيح اليمين الإسرائيلي، فمن المعقول أن نفترض أن إدارة ترامب_ وهذا أمر تعكسه تصريحاتهم_ ستضع اللوم عن فشلها على الفلسطينيين، مما يمهد الطريق لإضفاء الشرعية على الضم. وسيعلن ترامب أنه إذا رفض الفلسطينيون صفقة القرن، فهم بذلك رفضوا أفضل صفقة يتم تقديمها لهم على الإطلاق.
هذا الجنون لم ينفرد به فقط ترامب_ بقصد أو دون قصد_ فمنذ اللحظة الأولى أخذ الجميع يسمي ما سيعرضه ترامب على الفلسطينيين والإسرائيليين "بصفقة القرن". من صحفيين ومعلقين. وبذلك فقد تبنوا العلامة التي اخترعها ترامب، واشتروا مناورته التسويقية النرجسية. وبالتالي فالكل شارك في غسل وعي الجماهير لمدة عامين، كل يوم بهذا المصطلح، "صفقة القرن".
المستشرق الدكتور يحييل شابي يوضح أهمية اعتراف وزارة الخارجية الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية بالنسبة لإسرائيل سواء بما يتعلق بالجولان أو الضفة الغربية في المستقبل: أن هذه إشارات أمريكية لإسرائيل أننا معكم، وبالتالي فإن الخطة عرضت فقط بعد موافقة إسرائيل، وبتعبير أدق، بعد أن أعطي نتنياهو الضوء الأخضر لترامب.