| تحسين الحلبي
لا أحد يشك بأن مشروع «صفقة القرن» التي عرض تفاصيلها وخريطتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أول من أمس تعد محاولة لفرض النسخة النهائية للنكبة الثانية للشعب الفلسطيني لكن السؤال الذي يفرض نفسه في مثل هذه الظروف المختلفة كثيراً عن ظروف الوضع العربي والفلسطيني أثناء نكبة عام 1948 هل ستتمكن واشنطن وتل أبيب من تحقيق أي جزء من تفاصيلها؟
أثناء نكبة عام 1948 بقي داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ما يقرب من 168 ألفاً بموجب إحصاءات الأمم المتحدة وكان عدد اليهود مليوناً تقريباً في عام 1950، وهذا يعني أن نسبة الفلسطينيين في داخل فلسطين المحتلة عام 1948 كانت تشكل 17 بالمئة تقريباً وكانت معظم الدول العربية في ذلك الوقت مستعمرة إما من بريطانيا وإما من فرنسا ولم تكن هناك سوى سورية ولبنان كدولتين مستقلتين منذ عام 1946 وفي الظروف الراهنة وأمام صفقة القرن يقيم الآن داخل كل فلسطين بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل «إسرائيل» ما بين سبعة ملايين إلى سبعة ملايين ونصف المليون بينما يوجد من اليهود سبعة ملايين تقريباً والفلسطينيون في كل هذه المناطق ما زالوا يتصدون للاحتلال ويتمسكون باستمرار وجودهم فيما بقي من أراضيهم ولم تستطع كل المشاريع الصهيونية لترحيلهم أو ترحيل جزء منهم، خارج الوطن المحتل.
وعلى مستوى الظروف العربية يتمتع الشعب الفلسطيني في الشتات وفي داخل فلسطين بدعم قدرات تشكلها دول عربية وفي مقدمها سورية والمقاومة اللبنانية وإيران والعراق وهذه القوى ما تزال تزداد قدراتها العسكرية والإستراتيجية وحققت انتصارات ضد الحرب الكونية الإرهابية ضدها، وكذلك انتصرت على جيش الاحتلال الصهيوني حين أجبرته على الانسحاب من جنوب لبنان من دون قيد أو شرط وإلى جانب هذه الدول تقف اليمن وتونس والجزائر إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني ولن تجرؤ أي دولة عربية من الدول المتحالفة مع واشنطن على الإعلان عن تأييد صفقة القرن هذه ولا أحد يشك أن الشعب العربي في كل مكان سيظل يدعم الشعب الفلسطيني في التمسك بحقوقه وفي ظل ميزان قوى من هذا القبيل ستظل كفة النضال الفلسطيني راجحة على كفة القوة الإسرائيلية، وهذا سوف تثبته الأسابيع والأشهر المقبلة وبخاصة بعد انتصار قوى وأطراف محور المقاومة في تصفية الإرهاب التكفيري وحلفائه ولاسيما في شمال سورية في هذه الأوقات ولذلك ستواجه واشنطن وتل أبيب الشعب الفلسطيني ومقاومته وصموده المدعوم من محور المقاومة وبانتصارات هذا المحور على الولايات المتحدة القوّة الكبرى الداعمة لإسرائيل واحتلالها ومشروعها التوسعي الصهيوني في المنطقة فما زالت المعركة تحتدم على الأرض ضد الاحتلال الأميركي وكل هزيمة تلحق به في العراق وشمال شرق سورية تعد هزيمة لإسرائيل تفتيتاً لقدراتها ضد هذا المحور..
ويبدو أن «ترامب» لا يمكن أن يتجاهل هذه الحقيقة ولذلك ثمة من يرى أنه قرر عرض تفاصيل صفقة القرن بشكل رسمي لكي يزيد من حدة الانقسام العربي والإقليمي في المنطقة وهو الذي يعرف سلفاً أن الشعب الفلسطيني وكل القيادة الفلسطينية في الداخل والخارج لن يوافقوا على هذه الصفقة التي عرضها سراً على عدد من الدول العربية ويسعى إلى توريطها بنزاعات لمصلحة إسرائيل في المنطقة، وهذا ما يتضح من النص الذي نشره البيت الأبيض لكل أقسام مشروع الصفقة.
ففي القسم «التاسع عشر» جاء نص: «إن دولة إسرائيل ودولة فلسطين والدول العربية ستعمل معاً لمجابهة حزب الله وداعش وبقية الفصائل الفلسطينية التي ترفض الخطة ومجابهة جميع المجموعات المتطرفة» ويضيف النص: «وإن أخطار النظام الإيراني قد خلقت واقعاً جديداً لأن إسرائيل والدول العربية المجاورة لها تجمعهم مفاهيم مشتركة لأخطار إيران على أمنهم» وهذه دعوة لشن الحرب على إيران؟! وهذا يبين أن كل من يوافق على صفقة القرن سيعد نفسه لشن حرب على قوى محور المقاومة؟!
فهل هذه صفقة «سلام» أم دعوة لتشكيل حلف مع إسرائيل ضد كل من يطالب بتحرير أراضيه المحتلة في الجولان وفي فلسطين؟! وهكذا تصبح الصفقة إعلان حرب على جميع العرب دولاً وشعوباً من إسرائيل للسيطرة على الجميع، ولذلك وافق نتنياهو عليها إن لم يكن هو الذي وضع نصها.