حماد صبح
من المبكر جدا الفرح بطلب البرلمان العراقي في جلسة الأحد الاستثنائية من حكومة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبد المهدي ؛ العمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية ، والمقصود القوات الأميركية ، في البلاد ، ومنعها من استخدام الأراضي العراقية برا وجوا وبحرا لأي سبب ، وذلك بعد جريمة اغتيال أميركا لقاسم سليماني وأبي مهدي المهندس وستة من مرافقيهما .
الحقيقة الماثلة الساطعة أن أمام تنفيذ هذا الطلب التشريعي عقبات كثيرة ، أولها نلحظه في قول عبد المهدي إن هناك خيارا آخر لهذا الطلب ، هو : " قصر دور القوات الأجنبية على مكافحة داعش ، وتدريب القوات العراقية " . في قول عبد المهدي بارقة تملص من تنفيذ الطلب . أليس هذا هو الهدف الأصلي من وجود هذه القوات ، ولو ادعاء ؟! ما الجديد إذن في هذا الخيار ؟! واضح أن عبد المهدي يناور لشعوره بصعوبة التخلص من هذه القوات ، وتخصيصا وأساسا القوات الأميركية التي إذا تم التخلص منها فما أسهل التخلص من القوات الأخرى لكونها في الواقع جزءا مما يسمى التحالف الدولي الذي تقوده أميركا .
وثاني هذه العقبات ظهر في تغيب السنة والأكراد عن جلسة البرلمان الذي يمثلهم فيه 159 نائبا يشكلون تقريبا نصف أعضاء البرلمان ال329 . تغيب هؤلاء الأعضاء رسالة مخالفة لطلب البرلمان . وألمحت أميركا إلى إعادة النظر في معايير اجتثاث حزب البعث تخفيفا من صرامة هذه المعايير ، وفي هذا إلماحة ود للسنة . والتغيب والإلماحة يفتحان الباب لأميركا للمناورة داخل الخلافات السياسية والمذهبية في العراق مما قد يعيق مغادرتها استجابة طلب البرلمان .
وثالث هذه العقبات حدده ترامب بجلافته وفظاظته حين هدد بغداد إذا أقرت رحيل القوات الأميركية برلمانيا بأنها سترغم على دفع تكاليف قاعدة جوية أميركية ، قاعدة بلد أو البكر سابقا ، كلفت بلاده مليارات الدولارات ، ووسع تهديده قائلا : " سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقا ، وستكون عقوبات إيران شيئا صغيرا بجانبها " ، وهو تهديد خطير مفتوح على أسوأ الخطوات الإجرامية ، وأميركا هي أميركا عدوانا وشرا وإجراما .
وهناك عقبة رابعة استراتيجية كبرى ، هي الرعب الإسرائيلي من الانسحاب الأميركي من العراق ، واتساعه حتما للانسحاب من سوريا ، وما سيترتب على الانسحابين من وهن النفوذ الأميركي في المنطقة الذي تستقوي به إسرائيل ، وتستثمره في خططها السياسية والعسكرية ، ولا يبارح بالَنا هنا دور إسرائيل الحاسم في حث أميركا على احتلال العراق في 2003 ، وحتى في اغتيال سليماني ، تقوم شكوك بمشاركة إسرائيلية ما ، قد تنكشف في قادمات الأيام والأسابيع .
وانسجاما مع ما سلف نستبعد أن تستجيب أميركا لطلب الحكومة العراقية بالانسحاب ، فوجودها الحالي في البلاد امتداد لعدوانها عليها في 2003 ، وليس عملا باتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين في 2008 الذي انسحب الجسم الرئيس للقوات الأميركية بموجبه في 2011 .
الاتفاق ما كان إلا تغطية مهذبة لامتداد الاحتلال ، وتقليلا لأعبائه على أميركا . أميركا ما جاءت إلى العراق بالحسنى لتغادره بها ، ولا مفر من إرغامها على مغادرته بالتي هي أسوأ ، أي لا مفر من مخاطبتها بالفيتنامي المبين الذي تفهمه حسنا ، فهل العراقيون ومعهم شرفاء العرب والمسلمين قادرون على هذا الخطاب الصارم الحاسم ؟! إذا تأكدت أميركا من قدرتهم عليه فلن تنتظر سماع كلماته الأولى .
المعتدي لا يفهم إلا لغة القوة التي يخاطب من يستضعفهم بها ، ومن أشرس وأنذل من أميركا اعتداء ؟! على كل حال ، تسرع المنطقة والعالم نحو أحداث جِسام بفعل الحماقة الأميركية الهوجاء .