د. محمد مشتهى
إعتقد البعض أن لدى العدو خطوط حمراء، صدقاً هم يوهمون أنفسهم بالقول: أن العدو لديه حسابات وهو لا يرغب بالاغتيال أو بالحرب ثم يقنعون أنفسهم بتلك الحسابات، لكن فعليا المنطقة مستباحة ولا يوجد لدى العدو خطوط حمراء ولا زرقاء، تلك الخطوط من يضعها أولئك وليس الأمريكي ولا الإسرائيلي، فكل الدماء لدى العدو مستباحة، وأزعم زعيم يطاله ويقتله العدو، قاسم سليماني "رحمه الله" يكاد يكون الرجل الأهم في المنطقة، فهو رجل غير عادي، وكل ما يعني المقاومة في المنطقة عنده، هو بمثابة المايسترو الذي ينسج الإيقاع لكافة محور المقاومة، في فلسطين لديه حضور، في العراق يتواجد بنفسه، في اليمن وسوريا كذلك، وأين ما ذهب هو يلحق الأمريكي والإسرائيلي، في أمريكا اللاتينية يلحقهم، في أفريقيا يلحقهم، أينما ذهبوا هو يلحقهم، هذا همّه الذي ينام ويستيقظ عليه، سليماني يُعتبر الرجل الثاني بعد خامنئي من ناحية قوة التأثير وليس من جهة الموقع الحكومي، وبالتالي عندما يُقدم الأمريكي على اغتياله هو بذلك يكون مستعد لأن يذهب في معركته لأبعد الحدود، ويبدو أن عنوان المرحلة الآنية هي استهداف للرؤوس الكبيرة في المنطقة، القيادي أكرم العجوري تم استهدافه في سوريا ونجا من تلك المحاولة، وتم استهداف بهاء أبو العطا "رحمه الله"، هي مرحلة للتخلص من الأشخاص النِّكَديّين بمعني الذين لديهم عناد وإصرار ومثابرة وتجربة ومعاداة للمشروع الصهيوني، ومن المحتمل أن تجر تلك الاستهدافات استهدافات مقبلة، ومطلوب من قيادة المقاومة في قادم الأيام الإنتباه أكثر، لأن استهداف سليماني فتحَ المنطقة كلها على مزيد من الاستهدافات، لذلك كله مطلوب رد قوي ومؤلم حتى تتوقف تلك الاستهدافات وإلا فإن المسبحة كلها ستفرط، الاستهدافات الآن هي على مستوى عالي، والرد مطلوب أن يكون بذات المستوى وإذا لم يكن بنفس المستوى فإن الاستهداف سيجر استهداف آخر، حتى الإسرائيلي يمكن أن يستفيد من هذا الجو العام ويضرب ضربات جديدة لقيادات مركزية للمقاومة في فلسطين ولبنان تحديداً، أما اذا مرت حادثة إغتيال سليماني مرور الكرام فإن باقي الاستهدافات ستكون سهلة على الأمريكي والإسرائيلي، وهذا ما يفسّر إصرار مجلس الأمن القومي الإيراني وإجماعه على ضرورة الرد بشكل قوي، وبرأيي فإن الرد سيكون على مستوى المنطقة وليس إيراني بحت، لأن سليماني لم يتم اغتياله لأنه إيراني أو لأن علاقتة بإيران فقط، بل قتلوه لأن له علاقة بالمنطقة كلها، وهنا نجد أن السيد حسن نصر الله قال: بأن الرد على الاغتيال هو مسؤولية المقاومين بالمنطقة كلها، فحجم هذا الرجل يتمدد على مستوى حجم الإقليم، فسليماني لديه حضور فاعل في كثير من المناطق، والرد برأيي سيكون بمستوى تمدده.
طبيعة الرد
الرد برأيي سيستهدف المصالح الأمريكية بالدرجة الأساس ومن الممكن أن يتم استهداف مصالح "إسرائيلية" أيضا، لأن "إسرائيل" تعتبر المحرِّض والمستفيد الأول من إغتيال سليماني.
إن تجزئة مشروع المقاومة منذ البداية كانت خطأ، فالصهيوني والأمريكي مشروعهم بالمنطقة واحد وهو غير قابل للتجزئة عندهم، فما تقوم به أمريكا تؤيده وتدخل به "إسرائيل" وما تقوم به "إسرائيل" تؤيده وتدخل به أمريكا، لذلك فإن ضرب "إسرائيل" هو تماما ضرب لأمريكا.
برأيي الإيرانيون سيستفيدون أكبر استفادة من حادثة الاغتيال، على المستوى السياسي سيستفيدون، وقد صرّحوا منذ بداية الاغتيال ووضعوا هدفا سياسيا للمرحلة المقبلة عنوانها: آن الأوان لأن يغادر الأمريكي العراق، حتى ان بعض القادة الأمريكيين قالوا: نحن كسبنا مقتل سليماني لكننا سنخسر العراق بأكمله، لذلك الاحتمال الأكبر بأن يكون الرد الإيراني بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، وبذلك يكون الرد مزدوج "عسكري وسياسي" بآن واحد، لأن قطع يد الأمريكي في العراق تعتبر رد قوي ومؤلم للأمريكي، فالقيادة الأمريكية قالت لشعبها: أنها تقوم بتلك الحرب للحفاظ على حياة الأمريكيين، وعندما يتم قتل الأمريكيين في العراق فإنهم بذلك لم يحموا حياة الأمريكيين بل يعود الأمريكي الى بلاده في تابوت، ولا ننسى أن الحشد الشعبي بالعراق قوة لا يستهان بها، فالأمريكي قتل أيضاً نائب مسؤول الحشد الشعبي في العراق، وبالتالي الأمريكي مستهدف من إيران ومستهدف من الحشد الشعبي بالعراق وهذا يزيد من احتمالية أن يكون الرد في العراق، وإن دحر الأمريكي من العراق ليست بالقصة السهلة بالنسبة للأمريكي، والأمريكي لا يحتمل الكثير من الضربات، كما حدث معه في أفغانستان وفي فيتنام، فهو يهرب عند توالي الضربات وتحت وقع ضغط الرأي العام الأمريكي الذي لا يحتمل مشاهدة التوابيت العائدة من العراق، الإيرانيون ومنذ اللحظات الأولى لحادثة الاغتيال حددوا الهدف السياسي المراد تحقيقه في الفترة المقبلة وهو طرد القوات الأجنبية من العراق، لذلك كله بتقديري أن الملف الموضوع على الطاولة الإيرانية الآن هو الملف العراقي، وإن الرد على الاغتيال لن يطول ولن يتعدى الشهر، واذا وصل الى الشهر هذا يعني أن الإيرانيين قد تمهّلوا كثيرا.
استهداف سليماني يضع كل قادة ايران في دائرة الاستهداف والمطلوب منهم الاستعداد للمواجهة، حتى حسابات محور المقاومة مطلوب ان تختلف وتعمل على تشابك الجبهات كلها لمواجهة المشروع الصهيوأمريكي الذي يستهدف ويتغول ويتوحش بالمنطقة كلها، يواجهونه بشكل وبقرار جماعي ومدروس وإلا فإن الكل سيخسر، برأيي أنه آن الأوان لمحور المقاومة أن يغادر وَهَم التعويل على الاتفاق مع العدو، آن الأوان لأن يغادر وَهَم أن للعدو خطوط حمراء، آن الأوان لأن يغادر وَهَم بأن كل جبهة ترد لوحدها، وَهَم أن لكل جبهة اعتبارها الخاص، آن الأوان لمغادرة كل ما سبق من أوهام، لأن الاستمرار بتلك الأوهام يجعل الأمريكي والصهيوني يتمادى أكثر ويستهدف أكثر ويقتل أكثر، كل الحسابات تفشل مع هذا العدو، والحسابات الآن بتقديري مطلوب أن تعمل على إخراج هذا العدو من المنطقة نهائيا، وأن تعمل على هزيمته، متى وكيف يمكن ذلك؟ هذا خاضع الى جهات الإختصاص، ولا داعي بعد ذلك لوضع خطوط حمراء للمحور، فالعدو أصلا ليس لديه خطوط حمراء، لأنه من الواضح أن استهداف العدو للقيادات ليس فيه تدرُّج بل هو يبدأ من القمة، وفي حال الصَّمت فإنه من المؤكد سينزل باستهدافاته الى الأسفل شيئا فشيئا حتى يستهدف كل رموز المقاومة في كل مكان.
أخطأ المحور
إن الاستباحة المتكررة لسوريا ثم للعراق دون رد رادع له، بكل تأكيد كانت بمثابة إغراء للعدو واستسهال بإراقة المزيد من الدماء اعتقاداً منه أنه لن يحدث شيئ اذا ما أقدم على المزيد من القتل، وربما لو كان هناك رد على تلك الاستهدافات في سوريا والعراق ربما لما استطاع أن يتمادى العدو أكثر، وفي التحليل السياسي يمكن القول بأنه في حال لم يكن هناك رد كبير فان ذلك يعطي مؤشر سلبي يشجع الأمريكي والصهيوني ويفتح الباب على مصراعيه لاستهداف كل جبهات المحور فرادى.
لذلك الرد بشكل جماعي هو حماية لمشروع محور المقاومة بكامله، وفي حال لم يكن رد فما قيمة الحديث عن محور للمقاومة، والرد هنا لا يعني عرفانا وتضامنا فقط بل هو دفاع عن كل جبهة من جبهات المحور، والمطلوب ألا يتم تحميل أحد "جمايل" عند الاشتباك مع العدو، والله عز وجل ينصر عباده بما يشاء من جنوده، والنصر والهزيمة بيد الله عز وجل، والله ينصر عباده بما يشاء، ينصرهم إذا أراد بزلزال أو حتى ببعوضة، وما يعلم جنود ربك الا هو.
اغتيال سليماني هو بداية ضعف المحور في حال عدم الرد القوي وبداية النهاية للمشروع الصهيوأمريكي في حال رد المحور بشكل قوي مما يجعل المنطقة أن تدخل بمرحلة جديدة من تماسك وتعاضد المحور على حساب هيمنة المشروع الصهيوأمريكي.