يحيي الفلسطينيون، اليوم الأحد، الذكرى السنوية الـ 32 للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي عرفت باسم انتفاضة الحجارة، والتي اندلعت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987 بعد أن دهست شاحنة يقودها المستوطن المتطرف "هرتسل بوكبزا" مجموعة من العمال الفلسطينيين بمنطقة مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مما أدى لاستشهاد أربعة فلسطينيين وإصابة آخرين.
معركة الشجاعية .. وقود الانتفاضة الأولى ..
تعتبر معركة الشجاعية أسست لعقد فلسطيني جديد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وشكلت نواة انتفاضة شعبية عام 1987 استمرت 7 سنوات، وكانت المحطة الأولى للعمل العسكري الإسلامي ضد الاحتلال في قطاع غزة.
ففي ليلة السادس من تشرين أكتوبر 1987، وصلت الأوضاع ذروتها مع انتشار خبر استشهاد أربعة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي في اشتباك ومواجهة عسكرية مع قوات الاحتلال عند منطقة الشجاعية وسط غزة، أسفر ذلك ايضاً عن مقتل ضابط مخابرات "إسرائيلي" وإصابة آخرين. والشهداء الأربعة هم: (محمد الجمل ، سامي الشيخ خليل ، زهدي قريقع، أحمد حلس) سبقهم أيضاً استشهاد القائد مصباح الصوري، والذي نال الشهادة في الأول من أكتوبر من عام 1987 خلال اشتباك مع وحدات كوماندوز "إسرائيلية" بالقرب من مخيم البريج وسط قطاع غزة
وكانت لتلك الأحداث المتلاحقة الأثر البالغ في تحريك الشارع الفلسطيني ضد الاحتلال، وانطلاق شرارة الانتفاضة الأولى في الثامن من ديسمبر 87، حيث عمت المسيرات الطلابية شوارع قطاع غزة، وما لبثت تلك المسيرات أن تحولت إلى مواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال والجماهير المنتفضة.
وخلال 72 ساعة، امتدت الانتفاضة عقب حادثة الدهس المتعمدة للعمال الفلسطينيين لتدخل بعدها كافة المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية وتستمر المواجهات بكافة أشكالها حتى العام 1994. وقد شارك فيها أكثر من نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك القدس المحتلة، لتسفر عن 120 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح وأسير.
انتفاضة الحجارة جسدت مرحلة سياسيّة ووطنيّة في تاريخ النضال، وظلت شاهدا على عجز كيان الاحتلال في مواجهة ثورة الغضب الفلسطيني. فضلاً على أنها أحيت القضية الفلسطينية وعادت تتصدر اهتمامات ومتابعات المجتمع الدولي، حتى اصبحت انتفاضة الحجارة نموذجا في المقاومة والنضال السلمي ضد الاحتلال.
مخيم جباليا كان صاحب الشرارة الأولى للانتفاضة الفلسطينية العارمة والتي تحولت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، والتي أعقبت تشييع الشهداء الأربعة الذين وقعوا جراء عملية الدهس المتعمد، حيث أدت المواجهات مع الاحتلال في حينه لاستشهاد الشاب حاتم السيسي، ليكون أول شهيد في الانتفاضة المباركة.
يشار إلى أن شهداء جريمة الدهس "الإسرائيلية" هم: الشهيد طالب أبو زيد (46 عاما) من المغازي، والشهيد عصام حمودة (29 عاما) من جباليا البلد، والشهيد شعبان نبهان (26 عاما) من جباليا البلد، والشهيد علي إسماعيل (25 عاما) من المغازي.
مرحلة جديدة من المواجهة ..
كما تميزت الانتفاضة بحركة عصيان وبمظاهرات شعبية ضد الاحتلال استخدم الفلسطينيون الحجارة كسلاح، بينما شكل الشباب الفلسطيني العنصر الأساسي والوقود للثورة الشعبية.
وخلال الانتفاضة تطورت وسائل المقاومة تدريجيًا من الإضرابات والمظاهرات ورمي الحجارة إلى الهجمات بالسكاكين والأسلحة النارية وقتْل العملاء وأسر وقتل الضباط والجنود والمغتصبين والمستوطنين.
وحول تطوير الأدوات العسكرية في الصراع منذ بداية انتفاضة الحجارة، كانت البداية مع الحجر والمولوتوف والسكاكين، بينما بدأت "إسرائيل" بإطلاق الأعيرة النارية، وكان الشهداء يسقطون الواحد تلو الآخر، من دفع الفلسطينيون للبحث عن تطوير لأدوات القتال كالبندقية وأسلحة المقاومة المتعددة.
ثورة السكاكين ..
كافة الفصائل الفلسطينية شاركت في الانتفاضة وانطلاقها، وكانت حركة الجهاد الإسلامي هي عود الثقاب التي أشعلت تلك الانتفاضة، وساهمت في إطلاق شرارتها الأولى وكانت حاضرة بقوة، وقد خرجت بأول بيان في الانتفاضة ، كما أن أول إضراب شامل أعلنت عنه الحركة مابعد عام 1936، وهذا ما أكده المؤرخ الإسرائيلي زئيف شيف في كتابه "الانتفاضة".
ويحسب لحركة الجهاد الاسلامي في تلك الفترة ومن خلال مجموعاتها العسكرية ادخال أسلوب جديد من المقاومة ضد الاحتلال وهو السلاح الأبيض وأُطلق على تلك المرحلة "ثورة السكاكين" والتي قادها القيادي في الحركة الأسير المحرر خالد الجعيدي حين امتشق سلاحه الأبيض متوجهاً إلى سوق فراس وسط مدينة غزة وقتل ثلاثة مستوطنين، حيث أُعتقل الجعيدي عقب العملية بتاريخ 24/12/1986 وحكم عليه بالسجن الفعلي 3 مؤبدات ، وتم الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار في 11 من أكتوبر عام 2011.
الانتفاضة تستعر وسياسة تكسير العظام تفشل ..
وفي محاولة لإخماد الانتفاضة الشعبية استخدمت الاحتلال أقسى الوسائل في قمع الفلسطينيين ، حيث أقر وزير حرب الاحتلال إسحق رابين سياسة ”تكسير العظام” بتاريخ 26 شباط 1988؛ وجند الكيان أكثر من ثمانين ألف جندي "إسرائيلي" لوقف زخم الانتفاضة وأغلق الجامعات الفلسطينية وأبعدت مئات النشطاء ودمرت منازل الفلسطينيين لكن تلك السياسة فشلت.
تقدر حصيلة الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا على يد قوات الاحتلال أثناء انتفاضة الحجارة بـ 1162 شهيدًا، بينهم نحو 241 طفلًا، بالإضافة إلى 90 ألف جريح، وتدمير ونسف 1228 منزلًا، واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية، فيما اعتقل الاحتلال حينها ما يقارب من 60 ألف فلسطيني من القدس والضفة والقطاع وفلسطينيي الداخل، وفق إحصائية لمركز الأسرى للدراسات.
في المقابل، تكبد الاحتلال خسائر بشرية بلغت 160 قتيلاً، وخسائر اقتصادية بلغت في العام الأول فقط مليار دولار، و10 مليارات دولار خلال سنوات انتفاضة الحجارة.
لقد حظيت انتفاضة الحجارة بتعاطف دولي غير مسبوق، وأحرجت مواقف الدول الغربية الكبرى الموالية لكيان الاحتلال، وبدأت الشعوب الغربية، تخرج في تظاهرات غاضبة تضامنا مع الشعب الفلسطيني في انتفاضته ضد الاحتلال "الإسرائيلي".
كما مُنيت قوات الاحتلال بهزيمة أخلاقية بعد أن عرّته الانتفاضة وفضحت جرائمها بحق المدنيين. ما دفع مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرارا حمل الرقم (605)، شجب فيه السياسات والممارسات التي تنتهك من حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ومطالباً الاحتلال أن تتقيد فوراً بـ (اتفاقية جنيف) المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
انتهاء انتفاضة الحجارة عقب توقيع اتفاقية أوسلو المشئومة عام 1993، التي منحت الاحتلال فرصة ذهبية للهروب من ما اسموه بـ " جحيم غزة، ولهيب الضفة". لم يمنع في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو ما عرفت بانتفاضة الأقصى في الـ 28 سبتمبر/أيلول 2000، عقب اقتحام رئيس حكومة الاحتلال آنذاك آرائيل شارون للمسجد الأقصى، حيث أسفرت تلك المواجهات الدامية من الانتفاضة وعلى مدى خمس سنوات استشهد 4412 فلسطينيا وأصيب أكثر من 48 ألف جريح، فيما قتل 1069 إسرائيليا، بينهم جنود ومستوطنون، وجرح 4500آخرين.
الفلسطينيون انتفضوا مجددًا بوجه سياسات الاحتلال الإجرامية بحق المسجد الأقصى والقدس المحتلة، حيث بدأ باكورة مواجهة شعبية جديدة في الثالث من أكتوبر عام 2015، عقب تنفيذ الشهيد مهند الحلبي من حركة الجهاد الإسلامي عملية طعن بطولية بالقرب من المسجد الأقصى، أسفرت عن مقتل حاخام متطرف وجندي "إسرائيلي" وإصابة آخرين، وقد أشعلت العملية تلك "انتفاضة القدس 2015"، وكانت نقطة انطلاقة للعديد من عمليات الطعن والدهس التي ذاق الاحتلال منها ذرعا أصابته بالهوس والجنون.
وتتزامن ذكرى انتفاضة الحجارة مع تواصل مسيرات العودة وكسر الحصار في قطاع غزة، والتي انطلقت في 30 مارس/ آذار الماضي مع ذكرى يوم الأرض، حيث أسفرت اعتداءات الاحتلال على المشاركين في المسيرة السلمية عن استشهاد أكثر من 220 مواطنًا، وإصابة أكثر من 22 ألفًا آخرين بجراح متفاوتة.