بقلم/حسن لافي
صرَّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هناك خطراً أمنياً مُحْدِقاً بدولة الاحتلال، وبناء عليه يدعو المعسكر القومي الصهيوني إلى الاجتماع على ضوء أنباء تتحدَّث عن إمكانية رئيس حزب أبيض أزرق "بني غانتس" تشكيل حكومة أقلّية بدعمٍ من القائمة العربية المشتركة وبموافقة "أفيغدور ليبرمان" اليميني، الأمر الذي يُعتَبر إعلاناً غير مباشر عن فشل نتنياهو في استثمار عملية اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا القائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الذي كان يهدف من ورائها تحقيق انتصارات سياسية داخلية أكثر من الإنجازات الأمنية.
قرأ البعض هذا التصريح من نتنياهو على أنه استدعاء لخيار الحرب المفتوحة ضد أي من الجبهات المُتوتّرة كخيار "هدم المعبد الشمشوني" لخلط كل الأوراق، لكن هذه القراءة تتجاهل أن النظام السياسي في دولة الاحتلال وضع كوابِح كبيرة أمام القادة السياسيين في قضايا الأمن القومي، أهمها المؤسّسة العسكرية والمؤسّسة الأمنية ، ولعلّكم تتذكَّرون موقف كل من رئيس الموساد السابق "مائير دغان" ورئيس الشابك "يوفال ديسكن" مع رئيس الأركان آنذاك "جابي أشكنازي" عندما أفشلوا مُخطَّط نتنياهو ووزير الحرب آنذاك "أيهود باراك"في توجيه ضربةٍ جويةٍ للمُفاعلات النووية الإيرانية عام 2011م.
لكن البعض يتساءل لماذا سمحت إذن تلك المؤسّسات بتنفيذ اغتيال الشهيد أبو العطا واستهداف دمشق؟، الأمر ببساطةٍ أن المؤسّسة العسكرية لديها الرغبة في تشكيل حكومة مُستقرِّة تمنحها الموازنات اللازمة لتنفيذ خططهم العسكرية التطويرية وخاصة خطة "الزُخم" المُتعدّدة السنوات، التي أعدَّها رئيس أركان الكيان "أفيف كوخافي"، لذا منحوا نتنياهو فرصة استثمار هذا الاغتيال في إرغام مُنافسيه وخصومه على تشكيل حكومة وحدة صهيونية، ولكن مع بدء اللحظات الأولى لعملية "صيحة الفجر" كما أسمتها سرايا القدس وفصائل المقاومة، باتت كل مدينة تل أبيب في مرمى نيران صواريخ المقاومة، حيث أغلقت منطقة غوش دان البؤرة الأكثر كثافة سكانية في كيان العدو، وبذلك أصبح ما يزيد عن مليوني مستوطن في الملاجيء، لذا سارع وزير الحرب الجديد "نفتالي بينت" رغم كل تطرّفه ضد غزَّة إلى إعلان حال الطوارئ على امتداد شُعاع 80 كم من غزَّة، ما أدّى إلى شلّ الحياة في أكثر من 10 مدن صهيونية، وبذلك تعطَّلت المدارس الصهيونية وانهارت المنظومة التعليمية، ناهيك عن الخسائر الفادِحة في الاقتصاد الإسرائيلي على امتداد هذا الشُعاع بقرارٍ من صواريخ سرايا القدس.
ما يزيد عن 500 صاروخ في أقل من 48 ساعة تُطلقها المقاومة، ورغم كل التعتيم الإعلامي الصهيوني إلا أن الجبهة الداخلية الصهيونية بدأت تتململ، ما انعكس ذلك على ظهور بعض الخلافات السياسية داخل الحلبة الصهيونية وظهر على الإعلام الصهيوني نفسه بعد أقل من 24 ساعة من بدء معركة "صيحة الفجر".
"نداف أرغمان" رئيس الشاباك الصهيوني وكوخافي رئيس الأركان اللذان ظهرا بجوار نتنياهو في مؤتمره الصحفي أثناء المعركة، عندما يكون الأمر مرتبطاً بحربٍ واسعةٍ مع غزَّة أو غيرها لن يقبل الرجلان أن يقامرا بأمن الكيان تحت رئيس وزراء تسيير أعمال مؤقت وغيرمُكلَّف بتشكيل الحكومة، لسبب بسيط أنهم مدركون أن نتائج تلك الحرب غير مضمونة وسيتحمّل تبعاتها الجيش والأمن، ولن يجدوا قيادة سياسية تتحمّل أية مسؤولية حتى نتنياهو نفسه لأنه سيقول كما صرَّح في المؤتمر الصحفي عقب الاغتيال إنه أعطى الأمر بناء على توصيات الجيش والأمن، إشارة إلى عدم تفسير الاغتيال على أنه فعل أمني لأهدافٍ سياسيةٍ شخصية تتعلّق بنتنياهو وببقائه في الحُكم.
لذلك استبعاد سيناريو الحرب الواسعة، والعدوان الشامل على غزَّة وأيضاً على الجبهة الشمالية الأكثر جهوزية أكثر منطقية، ولكن ممكن استمرار عملية التراشُق في الحد الأدنى بين غزَّة والكيان في أسوأ الأحوال.