Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الأقصى.. تهويد الحرم و"ضرب" الهوية

وكالات

بقلم: حلمي موسى

منذ سنوات طويلة يعمد الاحتلال إلى تنفيذ سياسة واضحة في القدس هدفها تهويد المدينة المقدسة، وإلغاء طابعها العربي، وإبعاد أهلها عنها عبر التضييق الممنهج على شؤونهم الحياتية. ومؤخراً زاد الاحتلال من حدة هجمته على البلدة القديمة والأحياء العربية في القدس الشرقية، وخصوصاً في العيسوية وسلوان، في مسعى واضح لحسم ما يعتبرها سيادة يهودية على المكان.

ينطلق الاحتلال في نشاطاته الأخيرة بالقدس من مبدأ وجوب إلغاء الهوية العربية والإسلامية عبر ضرب الوجود الشعبي والرسمي الفلسطيني من جهة ومن خلال فرض أمر واقع يدفع الفلسطينيين للتكيف معه من جهة أخرى مع مرور الوقت. وهذا ما يفسر إعلان وزير الأمن الداخلي الصهيوني جلعاد أردان، مؤخراً، عن نية حكومته السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي، وتنفيذ اعتقالات واسعة في صفوف نشطاء فلسطينيين وممثلين رسميين للسلطة لتأكيد «السيادة».

ولا يمكن قراءة التطورات الأخيرة على هذا الصعيد من دون العودة إلى الوراء قليلاً عندما بدأت مطاردة الهوية الوطنية الفلسطينية في القدس وإغلاق «بيت الشرق»، وأتبعته بتحطيم المؤسسات والأطر الوطنية العاملة في القدس. وتبع ذلك العمل بدأب على إبعاد القدس عن دائرة حركة الفلسطينيين بإقامة المعابر الحدودية الفاصلة بين القدس والضفة الغربية وإنشاء الجدار الفاصل.

وكان الهدف المعلن إبعاد القدس عن دائرة اهتمام الفلسطينيين وجعلها مكاناً يصعب الوصول إليه إلا بإذن «إسرائيلي» حتى من أجل الصلاة في الحرم القدسي. وجاء الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان، ليمنح حكومة اليمين فرصة ذهبية للعمل بفظاظة ومن دون حساب لردات الفعل الدولية من أجل تهويد ما تبقى من القدس .

ولا يخفي اليهود مخططاتهم للمدينة المقدسة بعد أن صاروا يؤمنون بأن بوسعهم استيعاب ردات الفعل الفلسطينية التي لم تعد تمتلك حاضنة إقليمية ودولية قوية كما كان الحال في الماضي. وصار نهج تحدي إرادة الفلسطينيين في المدينة المقدسة أمراً معتاداً يتكرر بشكل شبه يومي.

يطة، وبعد إجراءات رمت إلى منع المزارعين الفلسطينيين من فلاحة أراضيهم في منطقة النبع وطردهم من هناك.

وواضح أن مثل هذه الإجراءات تتم لإبعاد الأنظار عن أهداف أكثر إلحاحاً في نظرهم، وبينها تقاسم الحرم القدسي، كما سبق أن جرى في الحرم الإبراهيمي. ويستغل الصهاينة فترات الأعياد اليهودية لخلق زخم لعمليات اقتحام الحرم القدسي من ناحية، ولتكثيف عملياتهم القمعية للفلسطينيين في القدس من ناحية ثانية لإضعاف مقاومتهم لنشاطات وأهداف الاحتلال.

وخلال ثلاثة أيام من عيد العرش اليهودي اقتحم باحات الحرم القدسي، وفق الأوقاف الإسلامية، ما

لا يقل عن 2473 مستوطناً. وقد باتت الاقتحامات، خصوصاً مع وجود رموز دينية وسياسية صهيونية، عنواناً من عناوين تعزيز فكرة إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى. وقد تنامت هذه الفكرة، التي كانت مرفوضة يهودياً في الماضي، في عهد حكومات اليمين وخصوصاً الحكومات التي رأسها بنيامين نتنياهو. ويتباهى وزراء الليكود بأنهم أسهموا في نشر الفكرة، وجعلوها أقرب إلى الحقيقة، وأنه في عهد نتنياهو تضاعف عدد مقتحمي الحرم ست مرات على الأقل مقارنة بما كان في عهود حكومات سابقة. وأظهرت الإحصاءات أن عدد مقتحمي الحرم القدسي من المستوطنين بلغ في العام الأخير أكثر من 35 ألفاً، في حين أنه لم يزد في عام 2009 عن 5658 مستوطناً.

وأظهرت وسائل إعلام «إسرائيلية» أن حكومات نتنياهو ووزير أمنه الداخلي جلعاد أردان يسهلون عمليات اقتحام الحرم القدسي، ويسمحون بدخول المستوطنين باحات الحرم خمسة أيام في الأسبوع، ولأكثر من 4 ساعات يومياً. ويؤمن مراقبون بأن الغاية من هذه الترتيبات جعل تواجد اليهود في المكان وممارسة طقوس تلمودية أمراً عادياً يتكيف الفلسطينيون معه.

ومن بين أخطر ما جرى في الأسابيع الأخيرة تشديد المراقبة على محيط الحرم، وتكثيف الإجراءات الاحتلالية، بما فيها عمليات الاعتقال والتحقيق والإبعاد عن المنطقة. وقد اعتقلت قوات الاحتلال محافظ القدس عدنان غيث لفترة محدودة قبل أن تفرج عنه بكفالة مالية، في إطار محاولاتها منع كل أوجه المقاومة الفلسطينية للاحتلال. وقد سبق للاحتلال أن اعتقل محافظ القدس مرات عدة هذا العام، حيث تمنعه من التواصل مع السلطة في الضفة. وواضح أن استهداف محافظ القدس هو استهداف لوجود السلطة الفلسطينية في المدينة، وإعلان رفض الاحتلال أي تواجد ولو رمزياً للسلطة الفلسطينية هناك. وجاء اعتقال محافظ القدس في إطار حملة اعتقالات واسعة طالت نشطاء من حركة فتح، وخصوصاً في منطقة العيسوية.

وقد ترافقت عمليات الاعتقال هذه لرموز ونشطاء وطنيين مع اعتقالات لرجال دين مسلمين، بينهم خطباء في المسجد الأقصى. وتعمل سلطات الاحتلال على إبعاد رموز دينية ووطنية عن الحرم القدسي لفترات متفاوتة. وهكذا، فإنها بعد اعتقالها لخطيب المسجد الأقصى الدكتور إسماعيل نواهضة، والتحقيق معه بتهمة «التحريض ضد الاحتلال في خطب الجمعة» أمرته بالابتعاد عن الأقصى، وعدم الوصول إليه لفترة معينة.

ومن المؤكد أن التصعيد الصهيوني في القدس المحتلة يخدم أجندة يمينية واضحة، خصوصاً في ظل المأزق الحكومي الذي يعيشه الكيان واحتمالات العودة إلى انتخابات مكررة. فقادة اليمين لا يرون فرصة للبقاء أكثر من الاندفاع أكثر نحو تحقيق شعاراتهم الأشد تطرفاً وغلواً.