بعد فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو بتشكيل ائتلاف حكومي خلال المهلة القانونية، كلف رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الأربعاء زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس بتشكيل الحكومة.
تكليف غانتس يأتي بعد إقرار نتنياهو بفشله موضحاً أن أبلغ رئيس الدولة بعدوله عن تشكيل الحكومة بعد ان عمل بلا كلل، ليكون أمامه مهلة 28 يوما لإقناع الكتل السياسية بالانضمام إلى ائتلاف حكومي يخرج الكيان من أطول مأزق سياسي يسير بها نحو نحو انتخابات نيابية جدية، مع العلم ان الانتخابات ثالثة ستكلف الخزينة خمسمئة مليون دولار. كما أنّ استطلاع رأي للقناة 13 أظهر بأن انتخابات ثالثة لن تحدث تغييرا على توزيع المقاعد وستكون النتائج قريبة لانتخابات سبتمبر/أيلول الماضي.
ريفلين دعا الأحزاب السياسية تقديم "تنازلات" بينما وعد غانتس ب "محاولة تشكيل حكومة اتحاد ليبرالي، لكن الأخير يدرك جيداً أن مهمّته لا تقل صعوبة عن مهمّة نتنياهو العارف بتفاصيل السياسة الإسرائيلية أكثر من غيره والذي شغل هذا المنصب لمدّة 13 عام، وبالتالي في حال فشل زعيم حزب "أزرق أبيض" بتشكيل الحكومة خلال المهلة المحدّدة ستجرى انتخابات جديدة ستكون الثالثة خلال عام بعد انتخابات غير حاسمة أجريت في أبريل/نيسان ثم في سبتمبر/ أيلول الماضيين.
إذاً تنتظر زعيم حزب أزرق أبيض مهمة شاقّة في تشكيل الإئتلاف الحكومي، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: أقر غانتس في خطاب التكليف بصعوبة مهمّته حيث حذّر ممن وصفهم بالساعين وراء مصلحتهم الشخصية إلى جر البلاد إلى انتخابات أخرى، قائلاً من يسعى لذلك فسوف ينبذه النظام السياسي وسيختفي في النهاية عن الخارطة السياسية، وأن الجمهور الإسرائيلي لن يغفر لمن يقحمون مصالحهم الشخصية على مصلحة "الوطن". ورغم أنّ غنتس لم ينتظر حتى صباح اليوم التالي للبدء بمساعيه لحث كافة الأحزاب على المشاركة، لكنّ مساعي الساعات الاولى بدت مخيّبة لاسيّما مع رفض أيليت شاكيد ويهودات هتوراة يعكوف ليتسمان الموافقة على اجتماع يجمع كل واحد على حدا مع غانتس.
ثانياً: سيعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى بذل كافّة الجهود في سبيل عرقلة مهمّة غانتس الشاقّة، لاسيّما أن نجاح غانتس يعني نهاية حياة نتنياهو السياسيّة. وبالفعل قد بدأ نتنياهو مبكراً بعملية العرقلة هذه فقد صرّح بعد ساعات على تكليف غانتس بأن "حكومة أقليّة تدعمها "الأحزاب العربية" و"أفيغدور ليبرمان" تشكل خطراً على إسرائيل". تشير بعض المصادر إلى أن نتنياهو على علم مسبق بفشل غانتس في الإئتلاف الحكومي، فلو أدرك إمكانية نجاحه لقدّم التنازلات خشية تفويت رئاسة الحكومة عليه، وبالتالي الذهاب إلى المحاكمة والسجن.
ثالثاً: رغم عداء ليبرمان لنتنياهو، إلا أنّه يسير على خطى الأخير في مواجهة غانتس.لا نعتقد بأن ليبرمان الذي يرى نفسه "بيضة القبان" سيقدّم التنازلات لـ"بني غانتس"، لاسيّما أنه وجد تقدّما ملحوظاً في عدد المقاعد في الانتخابات النيابية الثانية، بعد استياء الجمهور الإسرائيلي من الاحزاب الكبرى أي اليكون وأزرق أبيض. ففي حين حصد حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني برئاسة أفيغدور ليبرمان على 5 مقاعد فقط في انتخابات أبريل/نيسان، نجح في الحصول على 8 مقاعد في انتخابات سبتمبر/ أيلول، وبالتالي يعوّل في الحصول على مقاعد نيابية أكثر في الانتخابات الثالثة، لاسيّما أن الشارع الإسرائيلي بات أكثر استياءً من الأحزاب الكبرى هذه المرّة.
رابعاً: رغم موافقة القائمة العربية المشتركة على لقاء بيني غانس، إلا أنّ فإن القائمة تسعى الى مناقشة اتفاق تلتزم بموجبه الحكومة الجديدة بـ"حل الدولتين، والغاء قانون القومية، والعمل على تلبية احتياجات الوسط العربي ودعمه بكل ما يلزم لإحيائه اقتصادياً واجتماعياً"، وفق صحيفة معاريف، وقد قال رئيس كتلة المشتركة، احمد الطيبي، أن " القائمة ترى ان خيار بيني غانتس لتشكيل الحكومة ليس الافضل". لن يوافق غانتس على شروط القائمة، وبالتالية ستكون المشتركة خارج إئتلافه الحكومي.
خامساً: الأحزاب اليمينية قد رفضت لقاء غانتس خلال الاتصالات الجاربة معهم، مشيرين إلى أنهم لا زالو ملتزمين باتحاد الكتلة بينهم وأن من يمثلهم فريق التفاوض الذي شكّله نتنياهو باسم الليكود والكتلة اليمينية. أي أن نتنياهو الذي وافق على لقاء غانتس سيفاوض من موقع القوة وسيطالب بالتناوب مع شرط أن تكون السنوات الأولى من نصيب نتنياهو علّه ينجح في معالجة قضايا الفساد التي تنتظره في القضاء الإسرائيلي.
سادساً: يراهن غانتس على الحسم بملفات نتنياهو من قبل المستشار القضائي للحكوم، أفيحاي مندلبليت والمدعي العام شاي نيتسان، بملفات الفساد الموجهة ضد نتنياهو. أي خطوة من هذا النوع ستمثّل ضربة قاسية لليمني سواء توجّه الشعب لانتخابات جديدة أم لم يتوجّه. تمسك نتنياهو بالكرسي بغية الحصول على الحصانة في مواجهة ملفات الفساد الموجهة ضدّه تعني الذهاب إلى انتخابات جديدة، لكن مجرد تكليف غانتس مهمة تشكيل الحكومة تعد خطوة مفصلية في النظام السياسي الإسرائيلي الذي اعتاد ومنذ عام 2006 على مشهد نتنياهو واتصالاته لتشكيل الحكومة. لذلك، من الأمور الذي سيلعب عليها غانتس في تشكيل الحكومة هي قصم ظهر الليكود عبر إحداث حالة من المعارضة داخل صفوف.
في الختام، لا نعتقد أن مهمّة غانتس ستكون سهلة، قد تفوق مهمّة نتنياهو صعوبة, لاسيّما أن الأخير سيسعى للقيام بالمزيد من العرقلة كي لا يظهر بهيئة الفاشل في الداخل الإسرائيلي وهو الذي طالما سعى لتقديم نفسه على أنّه المنقذ، فضلاً عن خشيته من الذهاب إلى السجن. ليبرمان أيضاً سيكون أكثر تعنتاً كما الأحزاب اليمينية، لذلك يبقى خيار الذهاب إلى انتخابات ثالثة خلال عام واحد حاضراً بقوّة على الطاولة، لننتظر ونرى.
"الوقت"