بقلم الأسير المجاهد: محمود كليبي
لا بد من استعراض خفايا ومضامين ما يسمونه بصفقة العصر، كما أطلق عليها صانعوها في البيت الأبيض، ليس من العجب أن نشهد هذا الانحياز وهذا الانحطاط في المواقف والسياسات الأمريكية، والدعم اللامتناهي سياسيًا واقتصاديًا لدولة الكيان الصهيوني وتجاهل حقوق الفلسطينيين، وحقه في تقرير مصيره، هكذا هما كيانان استعماريان كلاهما وجهين لعملة واحدة، ووجه الشبه لما قامت به الولايات الأمريكية مع السكان الأصليين وأصحاب الأرض الهنود الحمر، كذلك الكيان الصهيوني أقام دولته المصطنعة على عذابات الشعب الفلسطيني، فأعمدوا فيه القتل والتهجير وسلب الأرض والمقدسات، فلم يسلم منهم شيء إلا وعاثوا فيه فسادًا، وما إن وصل ترامب للرئاسة الأمريكية حتى أخذت تلوح في الأفق خطة سلام جديدة يراد منها تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية وفق المقاس الأمريكي الصهيوني، وأعقبها فرض املاءات وتحذيرات ووعيد وتهديد وخلق مناخ لذلك، وأمر واقع على الأرض لإجبار الفلسطينيين على التسليم دون النظر لآمال وتطلعات الفلسطينيين، وإمعان في تشديد الخناق وتصفية لقضيتنا الوطنية العادلة عبر خطوات عملية من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، وتقصير الدعم المالي لوكالة الأونروا وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ووقف الدعم لمؤسسات السلطة الفلسطينية، والحديث يدور عن ضم الأغوار والضفة الغربية، وتجنيد دول عربية وخليجية لدعم المشروع الأمريكي في المنطقة ودعوات علنية للتطبيع مع الكيان والتحالف معه في مواجهة الخطر والتهديد الإيراني في المنطقة كما يدَّعون، ويروجون لخلق هذا البعبع وخلق قضية بديلة لصرف النظر عن القضية الفلسطينية.
والغرابة بل والوقاحة أساسًا أنهم أرادو تجنيد أموال خليجية في المؤتمر الذي عقد في البحرين وعرابه الصهيوني مستشار الرئيس الأمريكي "كوشنير" عبر إنشاء مشاريع استثمارية واقتصادية، واختزال مشكلتنا وقضيتنا وكأنها تحل بالأموال وعبر المشاريع الاقتصادية دون مراعاة لحق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها مع تغول استيطاني وتهويد للقدس. وللأسف لم يبق شيئًا من استحقاقات عملية السلام المزعومة مع الكيان مع التحفظ على عملية "السلام" والتي أثبتت فشلها وفشل المسار التفاوضي الذي استفاد من المماطلة وإطالة زمن المفاوضات، واستغل ذلك بخلق واقع جديد على الأرض والتنصل من الاتفاقات الموقعة والتفاهمات مع السلطة الفلسطينية، وما إن وصل هذا الأرعن سياسيًا المدعو ترامب أدار ظهره لكل الاتفاقات والصفقات التي كانت مع الولايات المتحدة سابقًا، وتجاهله وإدارته الصهيوأمريكية للحق الفلسطيني، وإذا أردنا أن نعرف أكثر من هو ترامب فهو وزمرته المقربة منه ينتمون للكنيسة الإنجليكية المعروفة بانحيازها الكامل لقضايا اليهود الإسرائيليين الصهاينة، ودعمها من خلال تهويد الأرض فلسطينيًا، وهذا له علاقة بأصول إنجيلية توراتية دينية كما يعتقدون أن ذلك يُسرع بنزول المسيح المخلص.
ومن الملاحظ أن شخصية ترامب مضطربة سياسيًا، وهو رجل أعمال تعامل مع الحق الفلسطيني على أنه سلعة ويعرضها في المزاد العلني، مثل ترامب كمثل بلفور المجحوم المشؤوم الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.
ولننظر بواقعية إن كانت صفقة القرن ستخرج إلى حيز التنفيذ وسينتج عنها شيء أم لا، صراحة سواء خرجت لحيز التنفيذ أم لم ينتج عنها شيء فكليهما سواء، فالاحتلال انتهك كل شيء بشكل سافر ووقح وعدواني أمام مرأى ومسمع العالم دون أن يحرك ساكنًا، فلم يبق مجالًا لشيء إلا واستطاع خلق واقعًا احتلاليًا على الأرض، لكنني أعتقد وأجزم أن كل ما يحكى عن صفقة القرن وما يدور حولها هو كلام هُراء ما كنا نطلبها شعبًا وحكومةَ وقوى فلسطينية، ونحن أصحاب الحق وأصحاب الأرض سماويًا وتاريخيًا وقانونيًا فالحق لا يضيع بتخاذل، فصفقة القرن ولدت ميتة وستبقى في نعشها، ولم ترَ النور إذ لم نزل متمسكين بحقنا ومتمسكين بوحدتنا ورص صفوفنا، والتعالي على الجراح والخلاف ولننظر بمسؤولية بالأخبار المحبطة بنا، فذلك يحكم علينا أن نعيد قناعاتنا بعملية التسوية وبالاتفاقات الموقعة مع دولة الكيان بشكل جدي وطرح خيارات أخرى وإعادة البوصلة التي حاولوا أن يحرفوها عن مسارها الحقيقي، ففلسطين مركز الصراع الكوني والقضية المركزية للأمة العربية والإسلامية كما أشار إليها الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله، وما علينا إلا توجيه خطاب للشعوب العربية والإسلامية وحتى الغربية والمراهنة على الشعوب بالضغط على حكامها في تصحيح مساراتهم السياسية وعدم الانجرار والهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وتعرية الكيانات الاستعمارية والسطح من ممارساتها، وعلى القيادة الفلسطينية أن تأخذ خطوات جدية وعملية اتجاه المصالحة وإعادة اللحمة بين الضفة وغزة، وضرورة التفكير بمنطق وطني بعيدًا عن التفكير الحزبي والمصالح الضيقة والنظر بحكمة ومسؤولية اتجاه قضايا وهموم الشعب ودعم صموده وتقريب وجهات النظر بين الفرق السياسية وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وعدم التلكؤ في إلغاء الاتفاقات الموقعة مع الكيان كونه لم يلتزم بما يجدر بنا أن نلتزم به نحن من جانبنا، والجانب الآخر لم يدع فرصة إلا ويستولي ويصادر، ماذا تبقى من عملية السلام؟ لا شيء. لذلك يجدر بنا تغيير خططنا وليس خيارنا الوحيد هو المفاوضات فقط وإلغاء الخيارات الأخرى فالعودة للماضي والحاضر والمستقبل فكل الشعوب التي رزحت تحت نير الاحتلال والاستعمار استقلوا بخيار المقاومة وسياسة المقاومة وثقافة المقاومة ووعي وإدراك معنى المقاومة، بصمودهم وتضحياتهم انتصروا ونالوا حريتهم وعلينا الاستفادة من الماضي والحاضر والمستقبل والتمسك بثوابتنا التاريخية والوطنية، ودعم صمود ومقاومة هذا الشعب ووضع استراتيجيات جديدة وخلق وعي سياسي وأمني والتركيز على بناء جيل مرتبط بعدالة قضيته وبناء مؤسسات وطنية تقوده على مواجهة التحديات التي تعصف بالمجتمع تهتم بمحاربة الفساد وخلق فرص عمل واقتصاد وطني وتدعيمه وتطويره وتطوير القدرات العلمية والمهنية وعدم خصخصة الشركات والأموال حتى لا ينهار الاقتصاد الوطني ويكون بيد فئة دون الأخرى، نحن تحت احتلال يحاول أن يؤثر علينا بكل تفاصيل حياتنا ولا يوجد أي أفق سياسي أو اقتصادي لذلك حتى المقاومة بكافة أشكالها مسلحة وشعبية واقتصادية حق مشروع في كافة الأديان السماوية والأرضية حيث قال الله تعالى في سورة الحج: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚوَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) صدق الله العظيم.
أما بخصوص مدى تأثير صفقة القرن على الأسرى الفلسطينيين وما يشاع وتتضمن الأسرى الفلسطينيين، نقول في ذلك أن صفقة القرن بحد ذاتها مشروع إنهاء وتصفية للقضية الفلسطينية ونحن كأسرى فلسطينيين جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ولا يمكن أن نكون جزء من هذه المؤامرة التي تحاك ضد مشروعنا النضالي وما آمنا به وجاهدنا من أجله، وهذا ثمن بخس، وهذا وهم لا يمكننا أن نلتفت إليه، وهذا يتنافى مع عقيدتنا وقيمنا وضميرنا ومفاهيمنا التي تربينا وترعرعنا عليها، ففلسطين آية من كتاب الله، فهي عندنا عقيدة ولا يمكن ولا للحظة أن نتعاطى مع هذه الصفقات والأوهام، وأملنا بوجه الله ثم بسواعد المقاومة الفلسطينية عبر صفقة مشرفة يكون فيها الاحتلال صاغرًا أمام شعوب المقاوم.
سجن "ريمون" الصحراوي