في يوم الاثنين 8 أكتوبر عام 1990م، سال الدم بغزراة في باحات المسجد الأقصى المبارك، حيث كان لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، وقت نفذت قوات الاحتلال واحدة من أبشع مجازرها على مدار تاريخها الأسود.
وقد أسفرت هذه المجزرة عن ارتقاء 22 شهيدًا، وعشرات الإصابات، حينما أطلق جنود الاحتلال بوحشية وإرهاب النار صوب المصلين والأبرياء في باحات المسجد الأقصى المبارك.
وقد لاقت المجزرة النكراء استنكاراً واسعاً، وأعلن فيها المراقبون أنّ قوات الاحتلال انتهكت المحرمات، وفاقت بمجزرتها كل الخطوط الحمراء.
ففي الاثنين الموافق 8/10/1990 وقبيل صلاة الظهر، حاول مستوطنو ما يسمى بجماعة "أمناء جبل الهيكل"، وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في المسجد الأقصى المبارك، فتصدى لهم آلاف المصلين، فتدخل جنود الاحتلال، وفتحوا النار عشوائيًّا تجاه المصلين المعتكفين في المسجد، ما أدى إلى استشهاد 22 مواطنا، وإصابة أكثر من 200، واعتقال 270 آخرين، وأعاق الاحتلال حركة سيارات الإسعاف.
كان الخطر يتفاقم على المسرى السليب، لم يكتف الاحتلال، باحتلاله المسجد عام 1967م، ولم يكتف بإحراق أجزاء كبيرة من المصلى القبلي -المصلى الرئيس في المسجد الأقصى- عام 1969م، ولا بالاعتداء على المصلين من متطرفيه عام 1982، ولم تشبعْه الحفريات والأنفاق التي تخلخل أساساته، وحاول اختراقه مرات ومرات عام 1986/1987م، وبدأت منظمات وجماعات مدعومة من المؤسسات "الإسرائيلية" الرسمية تعدّ العدة وتضع الخطط، وترسم المخططات، وتبرمج المراحل، وتعلن بوضوح أنها بدأت تعدّ العدة لبناء الهيكل المزعوم على حساب المسجد الأقصى.
وكانت يومها اقتحامات محدودة للأقصى من مستوطنين وأفراد في الجماعات اليهودية، لكن دعوات لإقامة الصلوات اليهودية الراتبة فيها أخذت تزداد وتتصاعد، ووصل الحد إلى مطالبات لوضع حجر الأساس لبناء الهيكل داخل المسجد الأقصى، وإقامة المراسيم لذلك، لتكون الخطوة الأولى لبناء الهيكل المزعوم.
وأعلن "غرشون سلمون" وجماعته ما يسمى "أمناء جبل الهيكل" أنهم سيضعون حجر الأساس للهيكل، وينظمون مراسيم ذلك في المسجد الأقصى، بالتزامن مع عيد العرش العبري، وأعدوا العدة لذلك، وسمحت المحكمة الصهيونية لهم مبدئيا بذلك، حددوا الموعد، قبل الساعة 11:00 من الاثنين 8 تشرين الأول 1990، واكفهرت الأجواء، واستشعر المقدسيون الخطر، وتنادوا قبل الموعد المذكور لحماية المسجد الأقصى، باحتشاد المصلين داخل المسجد منذ ساعات الصباح.
في مساء "عيد العرش"، كانت أذرع الاحتلال قد وضعت خطة، لمجابهة المصلين في المسجد الأقصى، واتخذت قراراً بالاعتداء الغاشم على المسجد الأقصى وكل من يحضر فيه، في صباح الاثنين المشهود.
وقبل المجزرة بنصف ساعة، وضعت قوات الاحتلال الحواجز العسكرية على كل الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى، لمنعهم من الوصول إلى المكان، لكن المصلين كانوا قد تجمعوا في المسجد قبل ذلك التوقيت بساعات، في استجابة للدعوات التي أطلقت من داخل المسجد.
إطلاق الرصاص الحي، وما سبقه وصاحبه من القنابل السامة، والمسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، كل ذلك أطلق مباشرة على المصلين دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، ما أدى إلى ارتقاء 22 شهيدا، وجرح أكثر من 200 منهم، كما اعتقل 270 شخصا داخل المسجد وخارجه، واعتدى المحتلّون على الجرحى والمعتقلين، وما تزال صور المعتقلين، في صحن قبة الصخرة، ومنطقة سطح المرواني، شاهدة على قبح الاحتلال، طرحوا المعتقلين أرضا، وكبّلوا أيديهم، وعاملوهم بامتهان.
الجماهير المقدسية خاصة والفلسطينية عامة، احتشدت يومها لتدافع عن الحق الإسلامي الخالص في المسجد الأقصى، كان تجمعا عفويًّا، ورد فعل طبيعيًّا وعفويًّا على مخططات الاحتلال، كانت الجماهير في معظمها من القدس، لكن أيضا من الضفة الغربية، ومن الداخل الفلسطيني، وسقط الشهداء من القدس والداخل الفلسطيني والضفة، لتمتزج الدماء الفلسطينية كلها بوحدة مشهد وموقف، وتعلي الصرخة في وجه الظالم، دفاعا عن المسجد الأقصى.
بقي جنود الاحتلال في الساحات، ومنعوا إخلاء جثامين الشهداء والجرحى، إلا بعد ست ساعات من بداية المجزرة.
وكانت سلطات الاحتلال وزعت قبل المجزرة بأيام قليلة بيانا تدعو فيه اليهود للمشاركة في مسيرة إلى المسجد الأقصى، لمناسبة "عيد العرش"، وأعقب ذلك تصريح للمتطرف غرشون سلمون قال فيه: "يجب على اليهود تجديد علاقاتهم العميقة بالمنطقة المقدسة".