فجأة، ومن دون مقدمات، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، استقالة مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، وقال ترامب في تغريدة له: «بعد نحو 3 سنوات في إدارتي، سيغادر جيسون جرينبلات لمتابعة عمله في القطاع الخاص»، من دون أن يحدد موعد مغادرته. وأضاف «لن ننسى تفانيه في العمل من أجل«إسرائيل»وسعيه للسلام بين «إسرائيل»، والفلسطينيين. سنشتاق إليه ونشكره». وكان مسؤولون أمريكيون قالوا قبيل إعلان ترامب: إن جرينبلات يعتزم الاستقالة بعد إعلان «صفقة القرن»، وأضافوا أنه كان يعتزم البقاء عامين فقط، في البيت الأبيض، عندما بدأ العمل في أوائل 2017، وهو الآن يتطلع للعودة لزوجته وأبنائه الستة الذين بقوا في منزلهم في نيوجيرسي. وسارع رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، إلى تقديم الشكر لجرينبلات، على «جهوده في دعم الأمن والسلام»، حسبما نقلت عنه صحيفة «هآرتس».
وجاءت مغادرة جرينبلات من دون سابق إنذار، أو تمهيد، لتفتح المجال أمام التكهنات حول الدواعي، وعما إذا كان بالفعل قد اختار الاستقالة أم جرى دفعه إليها، على غرار ما حصل للعديد من كبار المسؤولين بسبب خلافاتهم المستعصية مع الرئيس.
ومعروف أن الثلاثي جرينبلات، وجاريد كوشنر، إضافة إلى السفير الأمريكي لدى «إسرائيل» ديفيد فريدمان، بذلوا جهوداً خارقة لتصفية القضية الفلسطينية تصفية تامة، من خلال الخطة المعروفة ب«صفقة القرن»، وقضوا فترة ولاية ترامب الرئاسية بأكملها في العمل على وضع تلك الخطة التي تم تأجيل إعلان بنودها مرات عدة، وقد عملوا ما بوسعهم لتعزيز المساندة الأمريكية ل«إسرائيل»، كالاعتراف ب القدس عاصمة لها، وكذلك الاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان العربية السورية، ويهيئون الأجواء لضم مستقبلي قريب لمدينة الخليل، بعد القدس، كما منطقة C التي تساوي 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة. وقال مسؤولون أمريكيون إن الخطة السياسية مكتملة الآن، وسوف تعلن في الوقت المناسب.
ووعد ترامب بأنه سيعلنها بعد إجراء انتخابات«إسرائيل» في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، وهو تصويت سيحدد المصير السياسي لنتنياهو الحليف المقرب من ترامب. وسيسلم جرينبلات أغلب مسؤولياته المتعلقة بملف الشرق الأوسط إلى آفي بركوفتز، مساعد كوشنر. وقال مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية إن بريان هوك الذي يقود فريق الخارجية الأمريكية المعني بملف إيران سوف يضطلع بدور أكبر.
وبالطبع، فإن امتعاض نتنياهو مما جرى في قمة الدول السبع التي عقدت مؤخراً في منتجع بياتريس في فرنسا، كان كبيراً، بسبب الوساطة التي أبداها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين ترامب، والرئيس الإيراني روحاني، واستعداد الأول، كما الثاني للاجتماع معاً ضمن شروط لروحاني، أهمها إلغاء العقوبات الأمريكية على بلده، ما أدّى إلى ترطيب الأجواء قليلاً بين البلدين. لقد فوجئ الحاضرون أيضاً بوصول رأس الدبلوماسية الإيرانية محمد جواد ظريف، بدعوة من ماكرون، والذي صرّح بأن دعوة ظريف تمت بالتنسيق مع ترامب.
وبالتأكيد، فإن جرينبلات من مؤيدي السياسة الصقورية تجاه إيران، وهو متضامن مع نتنياهو في أهمية شنّ حرب عليها، أو شنّ هجمات عسكرية على أهداف فيها، لذا قد يكون هذا الأمر، إحدى أهم دلالات استقالته، بمعنى اختلافه مع سياسة ترامب تجاه إيران.
الدلالة الثانية، هي فشل مشاريع «حزب الحرب» في الإدارة الأمريكية. والدلالة الأهم لاستقالة جرينبلات هي بمثابة اعتراف ضمني بفشل«صفقة القرن»التصفوية. وبالفعل، حسناً ما فعل وانصرف من الطريق، فقد كان على يمين ليبرمان وملتزماً بتبرير كل المذابح والجرائم والموبقات، وكافة الانتهاكات والقتل لأبناء وبنات الشعب الفلسطيني. وفي كلّ جولاته، حاول جرينبلات ابتزاز الفلسطينيين والعرب للموافقة على الخطة الأمريكية التصفوية للقضية الفلسطينية.
استقالة جرينبلات ليست أكثر من مسمار إضافي في نعش«خطة السلام» الأمريكية. وتأكيدا للحقيقة، فإن إعلان الجانب الاقتصادي منها، الذي تم في يونيو/ حزيران الماضي، أثبت، وأوضح أنه يستند إلى إقامة صندوق دولي يستثمر 50 مليار دولار، بينها 28 ملياراً ستستثمر في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وبقية المبلغ يستثمر في مشاريع في الأردن، ومصر، ولبنان، ودول عربية أخرى. وأنها (الصفقة) وسيلة لتصفية القضية الفلسطينية، بدءاً بالقضايا الجوهرية، وعلى رأسها القدس، واللاجئون، والاستيطان، والحدود. وهي تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة الاحتلال.