مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، عنوان لوعود متأخرة، لمعاناة مستمرة، لمآسي عدة أعادت على أبناء المخيم ويلات التهجير التي ذاق طعم مرارتها أجدادهم في النكبة عام 1948.
حكاية تلك الويلات بدأت في 20-05-2007 بعد أن نشبت معركة بين الجيش اللبناني وعناصر من تنظيم "فتح الإسلام"، دفعت بالأهالي إلى مغادرة المخيم خوفاً من الإشتباكات الدائرة بين الطرفين. أما ما هو أمر من ويلات الحرب، أن تحل ذكراها السابعة ولا يزال العديد من أهالي المخيم يتخذ من "البركس" أو كراجات الأبنية مسكناً له.
أبو أحمد، لاجئ فلسطيني من أبناء المخيم وواحد من الذين لا يزالو يقطنون المنازل المؤقتة التي أنشأتها الأونروا أو كما هو متعارف عليها بالعامية "البركسات" والتي وزعت على شكل 5 تجمعات عند أطراف المخيم وفي داخله. هو كغيره من أبناء المخيم عاش وعائلته في منزل كان قد بناه والده عام 1952 عندما أنشأ المخيم، قبل أن يضطر للخروج منه بفعل الصراع الذي دار في المخيم والذي دمّر ما يزيد عن 8 آلاف وحدة سكنية بالإضافة إلى المراكز الطبية والإجتماعية والمدارس.
إعادة الإعمار
تنتهي المعركة في أيلول/سبتمبر 2007، ويبدأ اللاجئون المهجرون بترقب مرحلة ما بعد الحرب وإعادة كل شيئ إلى سابق عهده.
وأبو أحمد يتابع أيضاً أحداث ما بعد الحرب من منزله في تجمع "البركسات" التي أنشأتها الأونروا في منطقة بحنين، وينتظر أن يعود منزله كما كان. تمرّ الأيام ويجرف الركام من المخيم كخطوة أولى لبدء إعادة إعماره.
09-03-2009... يفرح أبو أحمد بوضع حجر الأساس لبدء عملية الإعمار بعد إحصاء الأضرار من قبل شركة خطيب وعلمي والتي قدرت بـ5625 وحدة سكنية مدمرة بالكامل بالإضافة إلى ما يقرب 2500 وحدة مدمرة جزئياً، لتبدأ بعدها الأعمال على الأرض في 26-10-2009.
مع بداية العام 2010 تبدأ وعودات تسليم الرزمة الأولى في نهاية العام، إلا أن التأجيل كان سيد الموقف حينها ولغاية 28-9-2011 حيث سلمت الأونروا 41 منزلاً من أصل 400 كانت تضمهم الرزمة الأولى.
تتسارع وتيرة العمل حيناً وتتباطأ أحياناً، ولا يزال أبو أحمد يترقب دوره، فمنزله يقع ضمن الرزمة الخامسة، وقد تطول بعودته السنين، لأن الأموال المتوافرة بالكاد تكفي لبناء ثلاث رزم إضافة إلى مجمّع الأونروا في المخيم. فالوكالة حددت مبلغ 455 مليون دولار أميركي كميزانية لإعادة إعمار المخيم وجواره، وبحسب ما أعلنت عنه حينها لم يتم تأمين سوى 36% من المبلغ المطلوب للإعمار، أي ما يقارب 160 مليون دولار.
في عام 2013 تعلن الأونروا أن الأموال المتوافرة حالياً تغطي الرزمة الأولى والثانية والثالثة وحوالي 60% من الرزمة الرابعة، بالإضافة إلى المدارس الخمسة مع عيادة الأونروا، ولا يزال العمل جار لتأمين التمويل اللازم لما تبقى من الرزم.
وما يصب الزيت على النار إلغاء الأونروا لخطة الطوارئ التي وضعتها من اجل تأمين المسكن والمساعدات لأهالي المخيم إلى حين الإنتهاء من إعماره بحجة نقص التمويل، ويأتي قرار إلغاء الخطة في ظل تواجد المئات من أهالي المخيم في البيوت الحديدية المؤقتة بإنتظار إعمار بيوتهم، وآخرين يقطنون في منازل مستأجرة أو حتى كراجات ومستودعات لم يعودوا قادرين على دفع بدل الإيجار لأصحابها.
أما خلاصة ما آلت إليه الأمور بما قد يصح تسميته "قضية إعمار المخيم"، إقتراب الإنتهاء من الرزمة الثالثة ومخاوف من عدم التمكن من تأمين المال اللازم للرزم الخمسة المتبقية، مع التذكير بأنه وبحسب الخطة الموضوعة من قبل الأونروا تنتهي عملية إعادة الإعمار مع نهاية العام 2015.
الحياة في "البركس"
اليوم يجلس أبو أحمد وعائلته المكوّنة من 6 أفراد في "بركسه" المؤلف من غرفتين ومطبخ وحمام عند أطراف المخيم، يشاهد أعمال إعادة الإعمار عن بعد وينتظر أن يحين دوره لإستلام منزله وتعويضات الأثاث التي أقرتها الأونروا، فمشهد السكن في "البركس" هو أشبه بتلك الخيمة التي قطنها أجداده عند خروجهم من فلسطين، أما الفارق بينهما فهو ظرف الزمان وشكل الخيمة التي تحوّلت من قطع قماش إلى جدران من حديد لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، بالإضافة لإكتظاظ وتلاصق تلك "البركسات المؤقتة"، ما يزيد من سوء الأوضاع الصحية في تلك التجمعات.
وما يزيد الطين بلة، إنتشار الأمراض والجراثيم بالإضافة إلى تكاثر الحشرات والجرذان بين أزقتها بل حتى وصل الأمر إلى ظهور بعض الثعابين، أما المحزن في الأمر بحسب أبو أحمد أنه وبعد 7 سنوات من المكوث في تلك البيوت المؤقتة لم تحرك الجهات المعنية ساكناً، ولم تعمل على إعادة تأهيل تلك المباني أو حتى تحسينها ريثما يتم إعمار المخيم.
المئات ينتظرون...
في النهاية يبقى أن نشير إلى أن أبو أحمد هو حالة تمثل العشرات من عائلات مخيم نهر البارد التي لا تزال في تلك المساكن المؤقتة بإنتظار إعادة إعمار منازلها.
ليكون بذلك أبو أحمد بمثابة خلاصة لحالة عامة يعيشها أهالي مخيم نهر البارد، والتي تتمثل بالوضع الراهن الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في "بركسات الأونروا"، ولسان حالهم يتساءل إن كانت عودتهم إلى منازلهم في المخيم قريبة، ويطالبون الجهات المعنية بتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية إلى حينها...