Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

أبعاد رد المقاومة

وكالات

من الواضح أن حزب اللـه نجح مجدداً في ترسيخ معادلات الاشتباك في صراعه مع الكيان الإسرائيلي بشكل يمنع وقوع حرب أو على الأقل تكبل تفكيره بها لتصدير أزماته الداخلية، بمعنى ثانٍ، الرد الذي قام به حزب الله في الأول من أيلول والمتمثل بتدمير آلية عسكرية عند طريق ثكنة «أفيفيم» شمال فلسطين المحتلة، لم تكن بهدف شن الحرب أو اندلاعها، بل بهدف تحصين حماية أمن لبنان ومنع الحرب عليه، والحد من التمادي في السلوك العدواني الإسرائيلي الذي ازداد في الآونة الأخيرة على مستوى دول المنطقة، نتيجة عوامل مرتبطة بتحضير المناخ الانتخابي، والذي يريد رئيس الحكومة الإسرائيلي وأحد أهم أطراف هذه الانتخابات توظيفها لمصلحته، نتيجة المخاطر والانعكاسات السلبية التي ستحملها نتائج الخسارة بالنسبة إليه، فضلاً عن الهدف الآخر المتمثل في منع حدوث أي مناخات ايجابية لاحتمالية إجراء حوار إيراني أميركي لا يخدم أولويات الكيان الإسرائيلي وأجنداته في المنطقة.
لذلك فإن أهمية الرد لا تكمن في نتائجها الشكلية من حيث الخسائر المادية والبشرية، بل بأبعاد ثانية منها ما هو المعنوي والنفسي والعسكري والسياسي، حملت الكثير من الدلائل:
أولاً: إطلاق حزب الله اسم الشهيدين حسن زبيب وياسر الضاهر على المجموعة التي قامت بإنجاز العملية، وتضمين بيان الرد اسم المجموعة، هذا يعني أن العملية جاءت كرد على العدوان الذي قامت به تل أبيب على ريف دمشق في عقربا وأدى إلى استشهاد الشهيدين حسن وياسر.
وهذا يبقي باب التكهنات مفتوحاً على مصرعيه حول التساؤلات التالية: هل سيكون هناك رد آخر يقوم به الحزب كرد على الطائرتين المسيرتين اللتين استهدفتا الضاحية الجنوبية؟ أم سيكتفي الحزب بهذه العملية برسائلها لحكومة الاحتلال وجس نبض سلوكه خلال المرحلة القادمة وتلمس مدى استيعابه لرسالة الردع هذه؟ أو أن الحزب يريد إبقاء الداخل الإسرائيلي من نخب سياسية وعسكرية ومستوطنين في حالة قلق ضمن الحرب النفسية؟
ثانياً: الرد على العدوان الإسرائيلي لم يتأخر بل حصل في توقيت اختارته المقاومة، وهذا يحمل إشارة واضحة أن الحزب لديه القدرة والإمكانات والخبرات المتراكمة والرصد المستمر والقوة النارية النوعية وبنك الأهداف جاهز على المستويين التكتيكي والإستراتيجي، على عكس ما كان يتم الترويج له أن الحزب انشغل بالقتال في سورية في محاولة لتشويه صورته ودور المقاومة.
ثالثاً: استعراض جزء من القدرات القتالية والتخطيط الاستخباراتي التي يمتلكها الحزب سواء نتيجة ما اكتسبه من هذه القدرات في مشاركته الحرب على الإرهاب في سورية أو من خلال تطوير قدراته الذاتية، وإحداثه خرقاً أمنياً واستخباراتياً في صفوف العدو، فالعملية كانت مباشرة ولم تكن عشوائية، بل أمام ثكنة عسكرية كبيرة وهامة وفي ظل استنفار لخمسة ألوية عسكرية وثلثي قوات سلاح الجو والبحرية الإسرائيلية.
وهذا يعزز قواعد الاشتباك الذي بدأت المقاومة بتكريسه منذ عدوان تموز 2006، فتمكن الحزب من خرق المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي كانت بأعلى درجات التأهب ودخول عناصر مجموعة الحزب إلى منطقة العملية مقابل أراضي فلسطين المحتلة وإدخال صواريخ ومنصات إطلاق «الكورينت» وعودتهم سالمين وتقنية الاستطلاع قبل وأثناء وبعد العملية، سيزيد الرعب في الداخل الإسرائيلي وسينعكس ذلك على تحديد معالم استراتيجياته المستقبلية وأولوياته وفي مقدمتها تحدي منع الحزب من الدخول للجليل.
رابعاً: هذه العملية رسخت عدم قدرة إسرائيل على إخفاء الحقائق ووجهت صفعة جديدة على المستويين الردعي والنفسي، وبخاصة أنها أكدت مصداقية المقاومة في الرد وبوضح النهار، وفي المقابل أرست حالة الانشراخ في ثقة المستوطن الإسرائيلي بقياداته السياسية والعسكرية وفق اعتراف ووصف إعلامهم وإعلامييهم، وهذا يترتب عليه نتائج متعددة أهمها: انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات القادمة، زيادة التسرب من الخدمة العسكرية في صفوف جيش الاحتلال، ارتفاع نسبة الهجرة المعاكسة من الأراضي المحتلة إلى دول العالم.
خامساً: عدم تأثر المقاومة بأي ضغوط دبلوماسية واقتصادية مورست عليها، ولم تنجر لأي مغريات قدمت لها بما في ذلك العرض الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية مقابل عدم الرد أو الرد بشكل متفق عليه ولا يؤثر على التموضع الانتخابي لنتنياهو.
سادساً: الرد جاء لمنع حدوث حرب أو التهديد بها وللحفاظ على السلم الداخلي اللبناني وعدم السماح باستهدافه، لذلك فإن المؤكد حتى اليوم أن حكومة الاحتلال ابتلعت الرد رغم رفع سقف التهديدات التي وصلت لحد التهديد بتدمير لبنان حسب تصريح نتنياهو، لأن المعلومات المتوفرة بأن الحزب كان قادراً على أن يستهدف قاعدة «أفيفيم» بحد ذاتها وتدميرها بما تحتويه من بنى وآليات وكان بمقدوره أن يزيد من عدد قتلى الاحتلال ولكنه أراد أن يكون الرد بحجم العدوان في مؤشر على قدرة المقاومة على امتلاك زمام المبادرة.
سابعاً: ردود الفعل العربية المستهجنة لعمليات المقاومة والتي لم تعد مستغربة، وبخاصة تلك الصادرة عن وزير الخارجية البحريني والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيظ الذي لم يسمع له أي تصريح يندد بالسلوكيات الإعتدائية الإسرائيلية الأخيرة ضد سورية والعراق ولبنان، في حين اعتبر أن الرد على العدوان من قبل المقاومة هو «تفرد فصيل بقرارات مصيرية لا تصب في صالح لبنان» وكان توصيفه هذا يأتي في سياق القبول العربي بالاعتداءات الإسرائيلية.
وبناءً على ذلك لابد من تذكير أبو الغيظ وغيره من السياسيين العرب بالنقاط التالية:
– من الناحية العسكرية منذ عدوان تموز 2006، والذي شكل مرحلة مفصلية للمقاومة في خلق توازن الردع وقواعد الاشتباك فإن امتلاك قرار التصدي والرد على السلوكيات الإسرائيلية من قبل حزب اللـه، فإن ذلك قيد كثيراً الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان على غرار ما كان يحصل في فترة ما بعد نكسة حزيران حتى عام 2000.
– عدوان تموز الذي اتهم به الحزب من قبل بعض الأنظمة العربية بأنه مغامر، ورغم ما شهدته لبنان من تدمير للبنى التحتية والاقتصادية، ولكنها في الوقت ذاته بما حققته من ردع متبادل حققت الأمن للبنان الأمر الذي يعتبر من أهم مقومات الاستقرار والنمو الاقتصادي وهذا من شأنه أن يرخي ظلاله بتحسين الأوضاع الاقتصادية للبنانيين لولا عمالة وتباعة بعض القوى السياسية اللبنانية التي شكلت رأس حربة للمشروع الأميركي على لبنان سياسياً.
– المقاومة اللبنانية وما قامت به وحتى سبب وجودها كان نتيجة تخاذل معظم الأنظمة العربية التي لم تكتف بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بل شكلت المظلة السياسية له للقيام بعمليات اعتدائية ومنحته أحقية ذلك بذريعة الدفاع عن أمنه.
الأول من أيلول 2019 محطة جديدة عنوانها أن صراع المقاومة مع إسرائيل أصبح مفتوحاً وقلب كامل المعادلات وفي مقدمتها أن عمق الأراضي المحتلة من ثكنات ومستوطنات أصبحت أهدافاً متاحة في أي وقت وبأي زمان أراد به الإسرائيلي المساس بقواعد الاشتباك، وخطوط الحدود التي يسعى الإسرائيلي لتغييرها عبر الأميركي أصبحت تشكل عبئاً وهاجساً عليه والخطوط الحمراء الإسرائيلية والأميركية أصبحت خطوطاً واهية كخيوط بيت العنكبوت.