د. محمد مشتهى
كشف العدوان الصهيوني الأخير على الضاحية الجنوبية في بيروت، أن السيّد حسن نصر الله، هو من كان متأهباً للعدو الإسرائيلي طيلة الفترة الماضية، حيث تمكّن من استثمار الحدث (العدوان) استراتيجيا، ثم أنه لم يتجاهل استثمار التكتيك، وهذا ما يعتبره المختصون في علم الإدارة: "رأس هرم الإنجاز". فالمقاومة اللبنانية ومنذ عام 2006 وهي تُرسي استراتيجيات ردعية في مواجهة الاحتلال، فمن الردع البري إلى البحري والآن ينتقل هذا الردع إلى الجو. لقد كان من الممكن أن يمر حدث تفجير طائرة استطلاع انتحارية صهيونية في الضاحية اللبنانية مرور الكرام خصوصا وأنه أحدث خرابا مادياً دون ارتقاء شهداء، كما ورد في خطاب السيد نصر الله.
كان يمكن أن يمر مرور الكرام دون أن يسأل أحد عن السبب.. أو حتى إن التزم السيّد الصمت، وربما هذا ما كانت تعوّل عليه "إسرائيل"، لكن العين الإستراتيجية التي تراقب الميدان وتنتظر أي فرصة تلوح بالأفق لكي تستثمرها وتزيد من رصيدها الاستراتيجي خطوة للأمام لم يكن لها أن تمرر هذا الحدث مرور الكرام، فمن هذا الحدث الذي قد يراه البعض حدثا عادياً أسست من خلاله المقاومة اللبنانية سياسة ردعية استراتيجية جديدة وهي سياسة حماية الجو اللبناني من الطائرات المسيّرة، ومن هنا يمكن القول إن حزب الله يسير بخطى ثابتة ومدروسة ولا يترك الأحداث الأمنية أو السياسية تمر دونما أدنى استثمار.
الإنجاز الاستراتيجي عادة ما يكون قويا ومؤثّرا وله مردود كبير، لكنه يحتاج إلى وقت ليشعر به الناس، لذلك لم يغفل السيد نصر الله عن استثمار الفرصة تكتيكياً، وقال بأنه "سيرد قريبًا".. كان بإمكان السيّد أيضاً أن يكتفي بالتكتيك -أي الرد على الحدث بالميدان-، ثم لن يجد أحدا ينتقده، بل بالعكس تماماً سيجد الكثيرين ليصفقوا له ويتحدّثوا عن بطولات حزبه وصدق وعوده، لكن نصر الله ينظر إلى الأحداث من منظور استراتيجي وهو لا يقبل ولا يريد من التكتيك أن يصبح استراتيجية، فهو يعرف أن هذا يعتبر مقتل في التخطيط، لذلك عمد إلى استثمار الفرصة تكتيكيا واستراتيجيا.
وهنا يمكن الإشارة وتذكير من يشكك في وعد نصر الله بالرد الميداني على الاعتداء الصهيوني على الضاحية، بأن استثمار الحدث استراتيجيا بفرض معادلة جوية جديدة هو الأهم وهو من يحتاج جهدا كبيرا من حزب الله، وهو من يُغضب العدو أكثر بألف مرة من عملية ميدانية "مرتقبة".. ثم إن حزب الله بهذا الحدث فرض معادلة إستراتيجية أخرى وهي أنه عندما يُقتل جندي من حزب الله في أي مكان فإن الحزب سيرد من لبنان وليس ملزمًا بالرد من مزارع شبعا فقط، هذا هو الأخطر، هذا هو الأهم، هذا هو الاستراتيجي..
وفي النهاية إن مَن يقبل بحمل معادلات إستراتيجية لا يضيره بعدها تنفيذ التكتيكات الميدانية، وإن تنفيذ حزب الله لعملية ميدانية انطلاقا من الحدود اللبنانية أيا كانت نقطة الانطلاق هي مسألة وقت وهي أولى خطوات وباكورة الأعمال التكتيكية التي تصب في مصلحة الإستراتيجية الثانية وهي الرد على مقتل أي جندي من حزب الله... مما سبق نستطيع القول جازمين بأن حزب الله سيرد على اعتداء الضاحية من بوابة التكتيك الذي يخدم الإستراتيجية.