بقلم: الدكتور ناجى صادق شرّاب
غزه عرفنا بهذا القدر او ذاك إلى أين تسير، وأي مستقبل ينتظرها، بعد مشاركة حماس في ألإنتخابات التشريعية ألأخيرة التي فازت فيها بأغلبية أقرب إلى الثلثين، وبعد ذلك سيطرتها الكاملة على غزة ، وبناء بنية قوتها الكامله من إقتصاديه وإدارية وتعليمية وعسكريه متقدمه وصولا الى المحاولات الجارية الان لرفع الحصار الكامل بتهدئة لن تكون قصيرة مع إسرائيل ، وكل ذلك لن يكون بعيدا عن إكتمال سيناريو المحاصصة، أي غزة لحماس.
والآن فإن السؤال المطروح هو: هل يتكرر السيناريو في الضفة الغربية ونقول الضفة الغربية لفتح؟ في يقينى ان فتح قد ربطت مستقبلها بسيطرتها الكاملة على الضفة. ولها ألآن ما لحماس في غزه سيطرة كاملة على الجهاز الإدارى وبنية إقتصاديه، وحكومة كامله، وسيطرة شبه كامله على المؤسسات التعليمية ، وسيطرة كامله على الجهاز الدبلوماسي.
وتشكل الضفة الغربية منطقة الصراع الدائمه أو منطقة القلب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى خلاف غزة فهي ليست منطقة هامشية طرفية، تفتقر للخصائص الجيوسياسية والإستراتيجية، ولذلك وبمحدداتها الجغرافية والسكانية كما سنرى تصلح لنواة دولة فلسطينية قوية وفاعلة ولديها مقومات القوة الشاملة التي تسمح بان تكون دولة لها قرارها السياسى الفاعل والمؤثر.
فمساحتها أكبر من مساحة غزة بأضعاف، وتبلغ ما يقرب من عشرين في المائة من مساحة فلسطين الإنتدابية التاريخية، وتشكل منطقة ملاصقه ومتداخله مع إسرائيل، وتتسم بعمقين إستراتيجي وسكاني.
العمق الإستراتيجى الذى يمثله وادى غور الأردن مما يعنى التكامل الجغرافى مع الأردن، وهو ما قد يشكل تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل، والثانى العمق السكاني التكامل والامتداد مع أكثر من مليون فلسطيني داخل إسرائيل يشكلون حوالى عشرين في المائة من سكان إسرائيل.
وتنفرد الضفة الغربية بخصائصها الجيوسياسية من هضاب مرتفعه تطل على العديد من المناطق في إسرائيل. وتزداد أهميتها بانها تشكل منطقة العمق الإستراتيجى سواء لفلسطين او حتى لإسرائيل. وإذا كانت القدس باهميتها الدينية والحضارية فالضفة الغربية بأهميتها الإستراتيجية الثابته، فلا يمكن تصور دولة قوية بدون الضفة الغربية. وإلى جانب هذه الأهمية الإستراتيجية تعتبر الضفة الغربية سكانيا عنصر قوة وثقل، فعدد سكانها يتجاوز الثلاثة ملايين، اي اكثر من ستين في المائة داخليا وبنسبة تصل لحوالى أربعين في المائة من العدد الكلى لسكان فلسطين. وهذه العدد قابل للزياده بشكل كبير، ولوأضفنا لهذا العدد فلسطيني الداخلى فنحن أمام معادله سكانيه يصعب على إسرائيل ان تجد حلا لها، فما بين البحر والنهر هناك تعادل سكاني بينهما.
الضفة الغربية تشكل النواة الصلبة للدولة الفلسطينية ولإسرائيل وهنا تكمن الإشكالية الكبرى التي تواجه اي تسوية سياسية وأي حل. فالعقبة الرئيسة للمفاوضات تكمن ماهية مستقبل الضفة الغربية. واليوم تتمركز في الضفة الغربية كل المؤسسات السياسية التابعة للسلطه ولمنظمة التحرير، وتمارس فيها سلطة حكم ذاتي، وسلطة مقيده بحكم الاحتلال.
ونظرا لأهمية الضفة الغربية الجيوسياسية نلاحظ وبشكل غير مسبوق وتيرة الإستيطان السريعة والتي كان آخرها الإعلان عن بناء خارج "الخط الأمني" الذي تبنى فيه المستوطنات، وهو ما يعني صعوبة أو إستحالة قيام دولة فلسطينية نواتها الضفة الغربية.
إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية متكاملة في الضفة الغربية ، متكاملة أمنيا وجغرافيا. أمنيا تريد اسرائ يل ابقاء سيطرتها على منطقة الغور، وإنشاء الحواجز ألأمنية الثابته وتجريد السلطة من كل درجات السلاح بإستثناء السلاح الأمني الشرعى المحدود، وجغرافيا بتجزئتها إلى مناطق متباعده تفصلها كتل إستيطانية كبيره تحو ل دون وحدتها الجغرافية.
وتحاول إسرائيل فرض سيطرتها الكاملة على المنطقة "سي" مما يعني خنق السلطة الفلسطينية في منطقة ب ضيقه يمكن التحكم فيها. وما تريده إسرائيل يتراوح ما بين الضم الكامل وهو مستبعد لأن إسرائيل غير معنية بإدارة وحكم ما يقارب الثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة، ويكفيها خلق واقع إستيطاني لا يمكن تغييره.
والخيار الثاني توسيع مجالات الحكم الذاتي بمنح مزيد من السلطات الاقتصادية والإجتماعية للسلطة، وهذا قد يكون أحد أهداف صفقة القرن.
والخيار الثالث الدفع في إتجاه ربط إقليمي لما يتبقى من الضفة الغربية بالأردن. اما الرؤية الإستراتيجية البعيده لإسرائيل في المستقبل هي في كيفية التعامل مع العنصر السكاني الفلسطيني في الضفة الغربية، وهذا يتوقف على نجاح خياراتها، وفي الوصول إلى شكل نهائي للتسوية.
إسرائيل تحاول اليوم التعامل مع التسوية في مسارين منفصلين ولكن متوازيين: سلطة حكم ذاتي بصلاحيات أوسع في الضفة الغربية، وتهدئة بعيدة المدى في غزة مع نواة سياسية ضعيفه تابعه يمكن التحكم في كل منافذها، وتجزئة الأرض او الجغرافيا، وتجزئة السكان.
هذه هي مفاتيح إسرائيل اليوم وتساعدها في ذلك معطيات الإنقسام وتحولات القوة الإقليمية والدولية . ويبقى السؤال: ما هي الخيارات الفلسطينية في الضفة الغربية؟