د. ناجى صادق شراب
يثار الجدل والنقاش كثيراً حول انفتاح عربي، ورغبة في علاقات عادية مع «إسرائيل»، هذا النقاش يحتاج إلى وقفة تحليلية موضوعية. الدول العربية لا تريد الحرب، إنها تريد السلام، وهذه حقيقية، بل إن العرب ذهبوا بعيداً في التأكيد على ذلك في مبادرة السلام التي أطلقوها في قمة بيروت عام 2002. كان يفترض من جانب «إسرائيل» أن تخطو في هذا الاتجاه، ولكنها بقيت مستمرة في سياسات الاستيطان، والتهويد، والاحتلال. المبادرة العربية نصت بشكل صريح على استعداد الدول العربية للسلام مع «إسرائيل» مقابل إنهاء احتلالها للأراضي العربية في سوريا ولبنان، وقيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس، مع حل عادل وتوافقي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
لكن «إسرائيل» أجهضت المفاوضات مع الفلسطينيين، وواصلت الاستيطان، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وقوضت فرصة إقامة الدولة الفلسطينية، وتواصل احتلالها للجولان، وأخيراً بقرار الضم والاعتراف من قبل إدارة ترامب بسيادتها عليه، ما يعني رفضاً كاملاً للمبادرة العربية. وادعت «إسرائيل» أن المبادرة غير كافية، وعلى الدول العربية أن تثبت حسن نواياها بالتطبيع معها أولاً، والاعتراف بها دولة يهودية، وبقيت المبادرة العربية معلقه من دون تفعيل، منذ صدورها حتى الآن.
ف«إسرائيل» التي تخشى وتخاف من السلام عملت على تجميد المبادرة، وجاءت القرارات الأخيرة للإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بالمدينة عاصمة ل«إسرائيل» لتلغي أهم بنود المبادرة، وهي أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وأيضاً ألغت بقانون القومية البند المتعلق باللاجئين، ومن ناحية ثالثة فإن إعلانها أنها لن تنسحب من الجولان، وضمها، واعتبارها أرضاً «إسرائيلية» تكون قد ألغت بند شرط الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في المبادرة، وهذا معناه أن «إسرائيل» لم تكتف بتجاهل المبادرة العربية، بل عملت على تقويضها وإلغائها. أي أنها «إسرائيل» تريد علاقات طبيعية مع الدول العربية متجاهلة تماماً احتلالها لكل الأراضي الفلسطينية والعربية، وتتعامل مع الواقع السياسي العربي كأنها دولة عادية. «إسرائيل» نجحت حتى الآن في تحييد خيار الحرب عربياً، كما نجحت إلى حد ما في قبولها عربياً.
لكن يبقى السؤال: هل تقبل «إسرائيل» أن تعلن صراحة إنهاء احتلالها، والقبول بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية؟ هذا الشرط الآن بيد الدول العربية، بأن تحدد موقفها وبشكل قاطع وبعيداً عن جدلية التطبيع والسلام.
لا أعتقد ان الدول العربية المعنية ستكون قادرة على إقامة علاقات طبيعية مع «إسرائيل» من دون تسوية للقضية الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية وفقاً لمبادرتها. هذا ليس شرطاً، بل هو أساس أي سلام شامل. ويكفي التذكير هنا بأن فلسطين تبقى جزءاً لا يتجزأ من أمتها العربية، وأن الحركة الصهيونية، بأهدافها وأيديولوجيتها التوسعية، تبقى خطراً حقيقياً على الأمن العربي، وأن الهدف هو السلام الحقيقي وليس السلام المنقوص. السلام الذي تريد «إسرائيل» أن يقوم على أساس تصفية القضية الفلسطينية واختزالها بنزاع ثنائي، كأنه نزاع على ملكية منزل صغير، أو على ملكية أمتار قليلة. السلام رؤية سياسية شاملة لما يمكن أن تقوم عليه العلاقات. ونذهب بعيداً، السلام ليس قيام علاقات اقتصادية وسياسية وديبلوماسية فقط، السلام أيضاً علاقات شعوب، وقبول الآخر. و«إسرائيل» عليها أن تتخلى عن عنصريتها وعدوانيتها وأحلامها التوسعية إذا أرادت السلام، أما دون ذلك فيعني الاستسلام.
كلنا نريد السلام، لكن أي سلام؟ ينبغي أن تبقى رسالة أي دولة عربية أن لا سلام، ولا علاقات، ولا تطبيع، من دون الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته، وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا هو التحدي الذي يواجه الدول العربية اليوم في مواجهة ما يسمى«صفقة القرن».