Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

مؤتمر المنامة الاقتصادي: لماذا البحرين؟!

بقلم: د/ وليد القططي

أعلن البيت الأبيض الأمريكي مطلع هذا الاسبوع عن عقد مؤتمر اقتصادي دولي في مملكة البحرين في يونيو المقبل لدعم الفلسطينيين ضمن خطة السلام الأمريكية المعروفة بصفقة القرن، وينعقد المؤتمر تحت شعار (السلام من أجل الازدهار) وهدفه المُعلن تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، وسيحضر المؤتمر أو الورشة الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة (إسرائيل)، والدول العربية، ودول كبرى وأُخرى اقليمية. هذا حسب نص الاعلان الرسمي للمؤتمر، أما في قراءة خلفيات النص الرسمي فلا بد من الإجابة على بعض الأسئلة الخاصة بالمؤتمر، ومنها ما هي دلالات المؤتمر؟ ولماذا يُعقد المؤتمر في مملكة البحرين بالذات وليس في مكانٍ آخر رغم عدم وجود أي ثقل سياسي لها مقارنة بالسعودية والإمارات؟!.

دلالات المؤتمر عديدة من أهمها أن مؤتمر المنامة سيكون إعلاناً رسمياً عن انطلاق صفقة القرن، أو بالتحديد بدء الشق الاقتصادي من الصفقة ، بعد أن بدء الشق السياسي منها على شكل قرارات أمريكية تُغير مرجعية حل الصراع من المرجعيات الدولية ممثلة في القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية ، إلى مرجعيات جديدة مصدرها الادارة الأمريكية المنسجمة مع الرؤية الإسرائيلية لإنهاء الصراع، وفي هذا الإطار تم إعلان القدس عاصمة موّحدة للكيان الصهيوني، وتم إعلان نهاية حل الدولتين الذي تقوم عليه كل مشاريع التسوية الأمريكية السابقة لإدارة ترامب، وتم إعلان شرعية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وتم اسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ووقف المساعدات لوكالة الأونروا، والإعلان عن خطة التوطين للاجئين، وغيرها من القرارات الأمريكية التي تُغيّر طبيعة ومرجعية الصراع.

المؤتمر خطوة مهمة لانطلاق عملية التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وهو الهدف الثاني في صفقة القرن بعد تصفية القضية الفلسطينية، فطوال العقود السبعة الماضية كان جُلّ اهتمام الإدارات الأمريكية هو تثبيت وجود دولة (إسرائيل) وتقويتها عسكرياً واقتصادياً، وبعد أن تم هذا الهدف، جاء دور إدارة ترامب لتنتقل إلى هدف أكثر تقدماً، وهو شرعنة هذا الوجود، بإنجاز الاعتراف العربي بالكيان، بعد الاعتراف الدولي به، وشرعنة الكيان سيكون مصحوباً بدمجه في المنطقة العربية والإسلامية كدولة طبيعية، بل ورائدة لحلف أمريكي عربي ضد دول أصيلة في المنطقة وجزء من الأمة الإسلامية كإيران، وهذا المؤتمر يُساهم بقوة في تحقيق هذا الهدف والحُلم الصهيوني بتحويل دولة (إسرائيل) إلى دولة اقليمية كُبرى في المنطقة بالمفهوم السياسي والاقتصادي.

المؤتمر بطبيعته الاقتصادية جزء من ما يُعرف بالسلام الاقتصادي في صفقة القرن، والسلام الاقتصادي يعني ببساطة تحويل القضية الفلسطينية من قضية وطنية، قضية شعب تحت الاحتلال، يسعى لتحرير وطنه والعودة إليه والاستقلال الوطني، إلى قضية إنسانية، شعب يسعى إلى تحسين أوضاعه الاقتصادية وظروفه المعيشية تحت الاحتلال، وتحويل الحل السياسي للقضية الفلسطينية إلى الحل الاقتصادي، وكأن مشكلة الشعب الفلسطيني في المأكل والملبس والمسكن والخدمات وغيرها، في تجاهل واضح لسبب نكبة ومأساة الشعب  الفلسطيني وهو كيان الاحتلال منذ عام 1948. وحتى الدعم الاقتصادي الكريم المزعوم سيمر عبر البوابة الأمريكية والإسرائيلية في إطار تصفية القضية الوطنية الفلسطينية بدلاً من أن يمر عبر البوابة العربية في إطار دعم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وإبقاء قضيته الوطنية حية حتى التحرير والعودة.

وتبقى الإجابة على السؤال الأهم في هذا المجال، وهو لماذا البحرين؟ بمعنى لماذا اختارت الادارة الأمريكية مملكة البحرين لعقد هذا المؤتمر أو الورشة كما أطلقت عليها من دون غيرها من الدول العربية، لا سيما وأن هناك دولاً أهم منها كالسعودية والامارات يُمكن أن تستضيف المؤتمر، بالتأكيد كان من الممكن أن ينعقد المؤتمر في دولة خليجية أُخرى أو غير خليجية فمعظم الدول العربية لا تملك من أمرها شيئاً أمام الإدارة الأمريكية، وليس لها دور الشريك في صفقة القرن الإّ ما يُملى عليها، خاصة في الجانب الاقتصادي منها، وبالتحديد التمويل المالي الذي سيعود معظمه بالفائدة على (إسرائيل)، وبعضه الآخر سيُدفع كرشوة للدول العربية المؤلفة قلوبها، بدون أن تخسر الإدارة الأمريكية شيئاً يُذكر ، طالما أن رأي ترامب في الأنظمة الخليجية الغنية أنها لا تملك سوى المال، وهذا المال لا تملك منه شيئاً إلا ما يتركه السيد الأمريكي لها بعد أن يأخذ منه ما يريد، ويأمر بصرف ما يريد على مشاريعه العسكرية والاقتصادية في المنطقة.

مملكة البحرين أكثر الدول الخليجية مؤهلة لاستضافة المؤتمر الأمريكي بعد أن باتت الحاضنة للمخططات الإسرائيلية والأمريكية ولكل المشاريع التطبيعية، وهي الدولة السبّاقة في عمليات التطبيع مع العدو منذ التسعينات من القرن الماضي، ومنذ التقاء سلمان بن حمد آل خليفة بشمعون بيريس عام 2000 في منتدى دافوس الاقتصادي، ومنذ أن رفعت البحرين الحظر على البضائع الإسرائيلية عام 2005، ومنذ إغلاق مكتب المقاطعة الإسرائيلية عام 2006، وزيارة وفد بحريني رسمي كبير للكيان عام 2017. ومنذ أن قال وزير خارجية البحرين أن التهديد الإيراني أخطر وأهم من القضية الفلسطينية مطلع هذا العام. كما أمرت وزارة الشئون الإسلامية البحرينية بوقف الخطب المناهضة لـ(إسرائيل) في المساجد... وبذلك فازت مملكة البحرين العُظمى بسباق المارثون الخليجي للتطبيع مع (إسرائيل)، وتربعت على عرش القابلية للتماهي مع المخططات الصهيوأمريكية في المنطقة.

نظام آل خليفة الحاكم في البحرين أكثر الأنظمة الخليجية ضعفاً وبحاجة للحماية السعودية والأمريكية، أمام التهديد الداخلي الشعبي، خاصة وأن البحرين كانت الدولة العربية الثالثة التي ضربتها عاصفة الربيع العربي بعد تونس ومصر، ولا زال هذا التهديد موجوداً. وأمام التهديد الخارجي الإيراني- الحقيقي أو الوهمي- الوجودي على النظام، وهو خطر يتم تغذيته خارجياً عبر شريان يضخ دم الخوف والرعب للنظام، بهدف إبقائه مُحتاجاً لمن يحميه باستمرار، ولذلك تشرّب النظام الحاكم كابراً عن كابر العبودية الطوعية لحماته البريطانيين ثم الأمريكيين، وتجرّع كأس التبعية السياسية لأي دولة كبرى تفرض حمايته عليه، فأدرك بفطنة العبيد وذكاء الرقيق أن أقصر الطرق لقلب الأمريكان هو حب (إسرائيل)، ومصداقية الحب العمل، ومؤتمر المنامة الاقتصادي التطبيعي قمة العمل المُعبّر عن الولاء والحب الجالب للرضا والحماية الأمريكية.