بسام أبو شريف
بعد الحرب العالمية الثانية كانت المؤامرة الاستعمارية الصهيونية واضحة على الشعب الفلسطيني تماماً كما كانت قبلها، لكن بريطانيا أعطت وعوداً للفلسطينيين مثلما أعطت وعوداً للهند المهاتما غاندي، حتى لا تشغلها ثورات الشعوب بوجودها الاستعماري عن وضع كل ثقلها في الحرب ضد ألمانيا وحلفائها. هدأت ثورة شعب فلسطين حسب الوعد البريطاني لينال الشعب استقلاله وتخلصه من الاستعمار بعد الحرب، ثورات شعب فلسطين ضد الاستعمار البريطاني وضد الصهاينة المحتمين بحماية القوات البريطانية الغازية، لم تتوقف منذ أن احتلّ البريطانيون فلسطين، واحتلتها جيوشهم بقيادة الجنرال اللنبي الذي قال يومها: «ها قد عدنا ياصلاح الدين».
ثورات متصلة ومتلاحقة 1923، 1929، 1933، 1936، 1939، 1946، وتعدّدت أشكال النضال من النضال المسلح إلى التظاهر والإضراب، ونفّذ الشعب الفلسطيني في عام 1936، أطول إضراب شامل في تاريخ الشعوب المناضلة لانتزاع حريتها، إذ استمر إضراب عام 1936، ستة أشهر كاملة وتعرّض الشعب الفلسطيني لجرائم وفظائع ارتكبها البريطانيون وابتكروا أساليب في الاضطهاد والتعذيب والعقاب الجماعي لم يسبق لقوة طاغية وظالمة أن استخدمتها في تاريخها.
وسهّل المندوب السامي البريطاني الذي كان مكلّفاً بتحضير فلسطين في فترة الانتداب (بعد الحرب العالمية الثانية)، للاستقلال وكان هذا القرار محاولة خداع للعالم، ففي الوقت الذي قررت فيه عصبة الأمم بعد الحرب العالمية إنهاء الاستعمار ومنح الاستقلال للمستعمرات «ولو شكلياً»، خصوا فلسطين بالانتداب؟! ذلك أن الاستعماريين كانوا يهيئون فلسطين لتكون وطناً للمهاجرين اليهود حسب وعد بلفور، ولم يكونوا بصدد المهام التي نص عليها القرار شكلياً وهي تهيئة فلسطين للاستقلال، وامتدت المفاوضات سنوات وسنوات إلى أن أبلغ الصهاينة أنهم جاهزون لإعلان دولة اليهود فانسحب البريطانيون بقرار أحادي، وأعلن الإسرائيليون دولتهم بقرار أحادي، وبقي قرار التقسيم حبراً على ورق عام 1947، وحاول بن غوريون أن يسيطر على كامل فلسطين لكن هذا كان مخالفاً لما اتفق عليه البريطانيون والأميركيون وأنظمة الرجعية العربية.
قرار إعلان دولة إسرائيل استند لقرار التقسيم الذي صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة وما كان لينجح «بفارق صوت أو صوتين»، لولا استخدام الإدارة الأميركية جميع وسائل الضغط والإرهاب ضد دول من أميركا اللاتينية والعالم الثالث، فقد هدّدت هذه الدول بحصار التجويع إن هي لم تصوت لصالح القرار وبكى بعض السفراء وهم يصوتون نتيجة الضغط الأميركي.
هذا القرار كان شهادة ميلاد أممية لدولتين وليس لدولة واحدة، واستندت له إسرائيل لإعلان أحادي لإقامة دولة إسرائيل، واتخذت موقفاً رافضاً لشهادة ميلاد الدولة الثانية وهي دولة فلسطين.
نقف اليوم أمام خطط لإلغاء كلمة فلسطين، وتذويب الشعب الفلسطيني على يد الإدارة الاميركية وإسرائيل، لكن الأمور اختلفت فنحن نشهد هذه الأيام أول هبوط للإمبراطورية الأميركية منذ أن اعتبرت نفسها سيدة العالم قبل مئة عام.
ففي 28 و29 من شهر حزيران القادم ستعقد قمة ثنائية بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في طوكيو (على هامش اجتماع العشرين الكبار G – 20 )، وسيشهد هذا الاجتماع أول خطوة باتجاه ميل ميزان القوى العالمي لغير صالح الولايات المتحدة – اقتصادياً.
قد يكون كل هذا معروفاً، ولا أعتقد ذلك، فجيل اليوم يمر بسياسة تجهيل كي لا يعرف تاريخه وتاريخ آبائه، ولكن دعونا ندخل في العامل الرئيسي للنكبة، وإضافة إلى كل عوامل التآمر والضغط والترهيب يبرز دور الأنظمة كعامل رئيسي من عوامل النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، وهذا الأمر الصحيح في القرارات السابقة ومنذ الحرب العالمية الأولى هو صحيح جداً الآن، ويبرز على السطح علناً فيكشف ما خفي في السابق (إن خفي على البعض)، نحن نمر في مرحلة لا تستطيع الدول إخفاء الكثير من الأسرار، فسرعان ما تتسرب الأسرار وتنكشف الحقائق.
إن أهم ما اعترف به دونالد ترامب خطير من حيث قطعه الطريق على كل من يدّعي عكسه، قال بالحرف في معارضته لمشروع قُدّم للكونغرس لعدم بيع سلاح للسعودية بسبب جرائم حرب اليمن قال: «لا يمكننا اتخاذ هذا الموقف، فالسعودية تملك المال، ونحن نريد هذا المال وأضيف إلى ذلك ما هو أهم من المال... فلولا السعودية لما نشأت إسرائيل... ولما استمرت في العيش ولما تقدمت وأصبحت قوة إقليمية».
اسمحوا لي أن أقول لكم انتبهوا لكل كلمة، الرئيس ترامب لا يكذب في هذا الأمر، وهو يطلقه لثقته بأنه يتحكم بالشرق الأوسط كما يريد.
1- «لما نشأت إسرائيل»، أي لما قامت دولة إسرائيل وهذا يعني أن السعودية أو العائلة تتحمل هي مسؤولية قيام دولة إسرائيل، أي إنها هي التي جعلت هذه الولادة ممكنة.
2- «لما استمرّت في العيش»، أي إن السعودية هي التي كانت تدفع تكاليف المساعدات المدموغة بختم أميركا، أي إن المليارات التي تدفعها أميركا سنوياً لإسرائيل «عسكرياً ومالياً» كانت وما زالت على حساب السعودية التي تعطي وكالة الغوث قروشاً.
3- و«لما تطورت وتقدمت»، وهذا يعني أن الأبحاث العسكرية والعلمية والاستخباراتية التي تكلف إسرائيل معاهد علمية في كندا وأميركا، لإتمامها لحساب إسرائيل هي مدفوعة التكاليف سعودياً.
ألا يفسر هذا عاملاً رئيسياً من عوامل نكبة شعب فلسطين؟
دعونا نتوسع قليلاً: كان الاإنجليز قد وعدوا الشريف حسين بن علي بأن يساعدوه ليصبح ملكاً على العرب الموحدين بعد إسقاط الاحتلال التركي «العثماني»، ولهذا بايعت الجمعيات العربية (الأحزاب كانت ممنوعة فسمّيت جمعيات)، الشريف حسين بن علي قائداً للثورة العربية الكبرى لكن الإنجليز سرعان ما نكثوا بوعودهم، لأن الشريف حسين بن علي رفض طلبهم لتخصيص فلسطين ومنحها لليهود ليقيموا عليها دولة، وكانوا في الوقت ذاته قد بدأوا بإنشاء البديل (محمد بن عبدالوهاب والحزب الوهابي الذي اخترعته المخابرات البريطانية)، وركبوا على هذا التيار الديني المزيف آل سعود الذين عُرف عنهم أنهم أسوأ القبائل وأكثرها لصوصية وإجراماً ولا تعرف القبائل الأخرى ما هو أصل آل سعود، لكن معروف أنهم كانوا في البصرة وبحماية عشيرة الزهير العراقية، وكان آل الزهير يستخدمونهم كلصوص وقطاع طرق وعتاة.
اتفق الإنجليز مع آل سعود، وكتب عبدالعزيز آل سعود جملته المعروفة «نعم وللمرة الألف أقول لكم أوافق على إعطاء فلسطين لهؤلاء اليهود المساكين ليقيموا عليها دولتهم».
لاحظوا أنه كتب «فلسطين»، ولم يكتب جزء من فلسطين ولذلك كان بن غوريون يحاجج الأميركيين على كل فلسطين استناداً إلى رسالة عبدالعزيز آل سعود، والآن يتابع نتنياهو ومحمد بن سلمان تنفيذ التعهد كاملاً، أي كامل فلسطين.
هذا التعهد من عبدالعزيز للإنجليز جعلهم يدفعون مبالغ ضخمة لعشائر شمر التي كانت تحول دون نجاح آل سعود في السيطرة على الجزيرة (رغم مجازرهم وجرائمهم وقتل الرجال وسبي النساء ونهب القرى)، فوافق الشمريون شريطة ألا يحكم الجزيرة بعد عبدالعزيز إلا من كانت أمه شمرية، وهذا سار حتى سلمان بن عبدالعزيز الذي قرر شطب آل عبدالعزيز وتحويل المملكة إلى آل سلمان أو سولومون.
آل سعود كانوا من اجتث الناس وما زالوا وحاولوا السيطرة على بلدان عربية بالاغتيالات وبالانقلابات وبشراء الشخصيات لكن خطوتهم الأولى ليحكموا بلاد العرب، كانت احتلال سوريا وذلك في 1957، لكن ايزنهاور رفض ذلك.
إن هدف آل سعود هو أن يحكموا كل البلاد العربية، ولذلك فرضوا على عبدالفتاح السيسي التنازل عن دور مصر القيادي والذي بناه جمال عبدالناصر بالنضال ضد الاستعمار. وخطة آل سعود تقضي بالسيطرة على أكبر دولتين تحدّان المملكة جنوباً وشمالاً وهما اليمن والعراق، إذ إن كلاً من هاتين الدولتين تضم ثلاثين مليوناً من العرب، ما يجعل أهل الربع الخالي حارة من حارات بغداد أو صنعاء . هدفهم حكم العالم العربي، لصالح أسيادهم في واشنطن وتل أبيب، وهذا أمر يثير شكوكاً حول هويتهم وأصولهم، فأسلوبهم منذ دخولهم الجزيرة هو أسوأ من أسلوب داعش. وهزمهم جمال باشا ابن ابراهيم باشا والي مصر بعد أن كانوا قد وصلوا إلى درعا وعمان، قبل أن يعينهم الإنجليز حكاماً للجزيرة وحماة لمكة.
وضمن هذا التساؤل حول نواياهم وأصولهم ما يلي:
كيف يمكن «لخادم الحرمين»، أن ينسى أن القدس هي أولى القبلتين وأن الحرم القدسي هو الحرم الثالث، كيف لا يذكر آل سعود أن النبي، أسرى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأنه منه عرج إلى السماء؟!
لقد بقيت عهدة الأقصى حرماً ومسجداً وصخرة، بعهدة شريف مكة الهاشمي، هذا مثل على رأس الأفعى ولها فروع ساهمت جميعها في إنشاء إسرائيل، ولكن شعب فلسطين – الملك فاروق – الأمير عبد الاله والملك فيصل (العراق)، رفضت هذه الدول جميعها مدّ الثوار بالسلاح أو بالدعم، هؤلاء هم مهندسو النكبة والآن آل سعود – سلمان يهندسون لنكبة جديدة بدعم فرض الحل الصهيوني الأميركي على المنطقة لشطب قضية فلسطين.
والخلاصة أن التصدي لهؤلاء أصبح ممكناً ولا بد من أن يبدأ، إن هذه الأنظمة العميلة التي تقودها السعودية راعية إنشاء وتقدم إسرائيل تشكل حليفاً قوياً للصهاينة ولا بد لجماهيرنا من أن تتصدى لها كما تصدى جمال عبدالناصر للملك فاروق عميل الإنجليز.