حافظ البرغوثي
تتجه الأمور نحو التعقيد بين الاحتلال من جهة، وحركة حماس والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى. وبينما تبذل جهود لمنع التصعيد في غزة لأسباب انتخابية، ليست هناك أية جهود لمنع تفاقم الأوضاع في الضفة، أو تدهور الوضع الاقتصادي، باستثناء الجهود التي يبذلها الأردن لمنع التصعيد في المسجد الأقصى، بعد أزمة «باب الرحمة» الذي يحاول الاحتلال والجماعات الإرهابية اليهودية السيطرة عليه، ورغم أن سلطات الاحتلال طلبت مساعدة الأردن إلا أنه لم يتم التوصل الى حل، لأن الأردن يرفض أي دور للاحتلال في المسجد، ويعارض تدخل الاحتلال في مسألة ترميم «باب الرحمة» الذي قررته الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن، بينما الاحتلال وشرطته ومستوطنوه يواصلون استفزاز المصلين، وقد دخل أحد ضباط الاحتلال مصلى باب الرحمة بحذائه، وسبق له أن دخل المسجد الأقصى حاملاً زجاجة خمر.
الاحتلال على ما يبدو، حكومة وأحزاباً، لا يكترث بتهدئة الوضع في الضفة، بل بات هدفه انهيار السلطة بالكامل، وإثارة حالة من الفوضى، ولا يدرك أن ذلك سيؤدي الى حمام دم أكبر من السابق. فالأجهزة الأمنية الاحتلالية التي تداولت الوضع عارضت اقتطاع أموال السلطة في اجتماع عقد قبل أيام، وحذرت من انهيار اقتصادي للسلطة الفلسطينيّة سيساهم في تقويض حكم الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس. وقدّرت هذه الأجهزة أن تتوقّف السلطة عن القيام بمهامها خلال شهرين.
والانتقادات في جهاز المخابرات وجيش الاحتلال للمستوى السياسي «الإسرائيلي» تزداد، على خلفيّة قرار المجلس الأمني والسياسي المصغّر في الحكومة «الإسرائيليّة» اقتطاع رواتب أسر الشهداء والأسرى من أموال المقاصّة الفلسطينية.
والأهم أنه لا توجد ثغرة في القانون «الإسرائيلي» تتيح تحويل الأموال حتى لو أن ذلك سيساهم في منع التصعيد في الضفة، خاصة أن مجلس الأمن الدولي فشل في إصدار بيان حول سرقة أموال السلطة بسبب تأييد واشنطن للقرار، لأن أول من طالب بوقف مخصصات الأسرى وأسر والشهداء هو الكونجرس الذي أقر قانوناً قبل حكومة الاحتلال بهذا الشأن، بل أوقف كل المساعدات للفلسطينيين، ولوكالة غوث اللاجئين.
وعلى صعيد غزة، يواصل وفد المخابرات المصرية اتصالاته بين «حماس» والاحتلال لوضع حل للأزمة القائمة، حيث اتسم الموقف «الإسرائيلي» بالبخل والمماطلة بشأن تلبية مطالب «حماس»، لكنه وافق على استمرار تدفق الأموال القطرية بإشراف الأمم المتحدة التي تريد تنفيذ برنامج تطوير تحت شعار «المال مقابل العمل»، أي أن يقوم متلقو الأموال بأعمال تطوعية محددة لقاء المال الذي سيدخل غزة عن طريق تحويلات بنكية، وليس في حقائب دبلوماسي قطري. أما مطالب «حماس» الأخرى فهي مؤجلة لأن حكومة نتنياهو لا تريد الظهور بمظهر من يرضخ لمطالب حماس. وهناك شك في تلبية مطالب أخرى «لحماس» لأن نتنياهو سيكون تحت قصف المعارضة، وأحزاب اليمين التي تريد توجيه ضربة قوية لحركة حماس قبل الانتخابات، لكن نتنياهو يفضل التأجيل لأن التطورات الدولية تدفع باتجاه بلورة مشروع دولة غزة، وهو مطلب اليمين «الإسرائيلي». والمؤكد أن «حماس» بوسعها، كما يقول محللون «إسرائيليون» إسقاط نتنياهو بالتصعيد الصاروخي قبل الانتخابات بأيام . ولهذا لجأ نتنياهو الى الخداع بأنْ وعد عبر مصر بتلبية مطالب «حماس» الأخرى وفق جدول زمني بعضه عاجل، كتوسيع مساحة الصيد البحري، وتخفيف الحصار، وتدفق الأموال من الخارج، ثم مرحلة أخرى بعد الانتخابات، وعلى ما يبدو فإن، حماس لم تقتنع حتى الآن، لأنها تعلم أن نتنياهو يكذب ولا ينفذ التزاماته بالمطلق، بما فيها اتفاق الهدوء مقابل الهدوء السابق، فهو يريد اجتياز فترة الانتخابات بسلام، لأن استطلاعات الرأي منحته وضعاً مستقراً، ولم تؤثر اتهامات النائب العام له بالفساد في شعبيته، لأن اليمين غير معني بقضايا الفساد، بل بالاستيطان، وإحكام قبضته على المسجد الأقصى، وإنهاء وجود السلطة لتكريس الحكم الذاتي في المدن فقط. فالأحزاب اليمينية الصغيرة التي أنشأها نتنياهو من إرهابيين سابقين اتهموا بقضايا إرهاب ضد الفلسطينيين، هي التي ستحدد من يتولى تشكيل الحكومة المقبلة، وستجمع أصوات اليمين السائبة حتى تبقى أحزاب يمين الوسط ضمن وضع لا يتيح لها تشكيل حكومة إلا بالانضمام الى حكومة برئاسة نتنياهو، وعادة لا يلجأ «الإسرائيليون» الى خيار حكومة وحدة وطنية إلا في أوقات التحضير للحروب. فهل ستفرز الانتخابات «الاسرائيلية» حكومة حرب مع أن الحزبين الكبيرين، أي حزب نتنياهو وحزب الجنرال جانتس، يتفاديان الحديث عنها أثناء الحملة الانتخابية الجارية؟