كمال بالهادي
يبدو أن ما تسمى «صفقة القرن» التي تُعدها إدارة ترامب، باتت جاهزة، بحسب أعضاء إدارة البيت الأبيض، وهي من المنظور الأمريكي، خطة نالت إعجاب الرئيس، وما على أطراف اللعبة سوى القبول بها.
ولكن يبدو أن هذه الصفقة بالغة الخطورة قد دعت أطرافاً عديدة لاستباق الإعلان عنها، والتصدي لها باعتبار أن ما يعجب ترامب وحليفه نتنياهو هو القبول بالأمر الواقع، وفرض الشروط الصهيونية في أي عملية سلام قادمة، والتي تنسف ثلاثة مبادئ رئيسية وهي عودة اللاجئين، واعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، و الاعتراف بالدولة الفسلطينية دولة كاملة السيادة.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إنّ المعلومات التي وصلت إلى موسكو، عن الصفقة تؤكّد أن الولايات المتحدة تريد فرض حلول أحادية الجانب، وتدمير كل المنجزات التي تحققت في ملف القضية الفلسطينية، وقال لافروف«بحسب معلوماتنا من الأطراف المختلفة، إن صفقة القرن تنص على بنود مختلفة عمّا سبق، من قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية». ومما يشي بأن الصفقة على غاية من الخطورة، وبأنها ستكون الضربة القاضية للقضية الفلسطينية، هي أنّ فريق إدارة ترامب لن يعلن عن تفاصيلها قبل الانتخابات «الإسرائيلية» المقررة في التاسع من أبريل القادم، حيث أكّد كل من السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان، وكبير مستشاري البيت الأبيض وصهر الرئيس جاريد كوشنر، ومبعوث الإدارة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، أنّهم «لن يتخذوا أي خطوات تهدد أمن «إسرائيل» في الوقت الحالي». هو تصريح يستبطن خطورة تفاصيل ما يسمى بصفقة القرن، والتي من شأنها أن تقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب، في حال تم الإعلان عنها في الوقت الحالي.ويبدو أن جولة كوشنر وغرينبلات للشرق الأوسط في نهاية شهر فبراير الجاري، ستحمل معها مشروع الصفقة، وسيعمل المبعوثان الأمريكيان، على إغراء الدول العربية، بثمار الصفقة من الناحية الاقتصادية، حيث سيتم إعادة طرح ما يسمى بالسلام الاقتصادي، وهو مشروع قديم، قائم على التطبيع الاقتصادي بين «إسرائيل» و الدول العربية، و فتح المبادلات التجارية بين دولة الاحتلال وبقية دول المنطقة، فضلًا عن تأسيس شراكات اقتصادية، وفي مقابل هذا، على الفلسطينيين القبول بمبدأ إقامة دولة على الحدود الحالية، أي التراجع عن الاتفاقات السابقة، والتي تنص على إقامة دولة على حدود العام 1967، وهو ما يعني إخراج ملف القدس من دائرة المفاوضات، وهذا يتماشى مع قانون يهودية الدولية الذي تمت المصادقة عليه في كانون الأول 2017، والذي ينص على إخراج القدس من أي مفاوضات قادمة.
بالتوازي مع الجهود الروسية لتوحيد الفصائل الفسلطينية وجعلها تتكلم بخطاب واحد أمام العالم في قضية مصيرية قد تحسم مستقبل فلسطين، احتضنت إيرلندا، مؤتمراً، خصص لبحث الإجراءات الممكنة لمواجهة «صفقة القرن» الأمريكية، بمشاركة السلطة الفلسطينية وبحضور ممثلين عن دول عربية وأوروبية، في دبلن. وبحث المؤتمر الإجراءات الممكنة لمواجهة الصفقة ولتحديد «الخطوط الحمر» التي تتعلق بالقضايا الجوهرية في الصراع العربي/ الفلسطيني - «الإسرائيلي»، وعلى رأسها قضيتا القدس وحق اللاجئين في العودة إلى قراهم وبلداتهم التي هجروا منها خلال نكبة عام 1948. و يبدو أن الأوروبيين الذين تم تحييدهم من صياغة فصول هذه الصفقة، قد رغبوا في لعب أدوار من خلال بوابة السلطة الفسلطينية، ولتأكيد حضورهم في ملفّ كانوا هم صانعيه بالأساس من خلال وعد بلفور، وهم الآن يجدون أنفسهم خارج ترتيبات الصفقة حتى أن مسؤولا أوروبيا قال «نريد أن نجلس مع الفلسطينيين لإجراء محادثات معهم حول موقفهم من خطة ترامب للسلام، والسبل الممكنة لاستئناف عملية السلام، ولكن في الأساس، يعقد المؤتمر لمنح شعور للفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم وأنهم يحظون بدعم عربي وأوروبي».أين العرب؟
المواقف العربية تبدو خافتة، بل إنّ أسابيع فقط تفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية، ولا توجد استراتيجية عربية واضحة لكيفية التعامل مع هذه الصفقة التي ربما تغير مستقبل المنطقة. من المنظور الأمريكي، العرب هم في موقع شبيه بموقع الأوروبيين، فهم عليهم انتظار ما سيصدر من البيت الأبيض، وعليهم التفاعل الإيجابي. و يبدو أن المطلوب منهم هو هضم المقترحات التي سيتم الكشف عنها و تمريرها، دون إزعاج لواشنطن أو ل«إسرائيل».