عبد الناصر النجار
جوناثان بولارد مواطن أميركي خان بلاده وتجسس لصالح إسرائيل عدة سنوات، إلى أن اعتقل في العام 1985 بعد اكتشاف خيانته هو وزوجته، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ولم تشفع له العلاقة الأبوية بين واشنطن وتل أبيب.
ضغوط إسرائيلية وصهيونية مكثفة تعرض لها رؤساء أميركيون من أجل الإفراج عنه، إلا أنهم رفضوا على أساس أنه خائن للوطن حتى لو تعلق الأمر بإسرائيل، ولا تساهل مع عميل للخارج.
بعد أن أمضى 30 عاماً في الزنزانة، وإثر صفقة مع الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي أوباما، أفرج عنه في العام 2015، ولكن بشكل مشروط يتضمن عدم قدرته على مغادرة الولايات المتحدة، وتحديد مكان وجوده طيلة 24 ساعة يومياً من خلال سوار إلكتروني، والحق بتفتيش ممتلكاته دون سابق إنذار.
وعلى الرغم من منحه الجنسية الإسرائيلية والمطالبة بالسماح له بالهجرة إلى إسرائيل، فإن السلطات الأميركية رفضت بشدة هذا الطلب، ولا يزال التعامل معه يتم على أساس أنه عميل خائن للوطن والأمة الأميركية.
دولة الاحتلال ومنذ الإعلان عن قيامها إثر النكبة 1948، ادعت أنها كشفت عن عدة عملاء لدول أجنبية وعربية، منها على سبيل المثال الاتحاد السوفيتي السابق قبل انهياره، وجمهورية مصر العربية، فماذا كان مصيرهم؟ بعضهم تمت تصفيته بصمت، وبعضهم زج به في غياهب الزنازين الانفرادية حتى أصيب بالجنون أو فقد الذاكرة جراء التعذيب الممنهج.
العملاء في العالم كله لا يتم التسامح معهم، ولا يعاملون معاملة مرتكبي الجنح، بل يعاقبون بشدة، وقد تصل العقوبة إلى حد الإعدام رمياً بالرصاص ... والعالم الغربي يشهد على كم العملاء الذين ألقي القبض عليهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكيف كانت تقام المحاكم العسكرية لهم، ويتم إعدامهم في دقائق بعد تعذيبهم للحصول على أكبر قدر من المعلومات عن جرائمهم والمسؤولين عنهم.
عملاء الاحتلال الإسرائيلي لم ينقلوا المعلومات فقط، ولكنهم تسببوا بقتل عشرات الأبرياء من النساء والأطفال كما حصل في اغتيال المناضلين في شوارع المدن والقرى والمخيمات ... عملاء أرشدوا فرق الموت الإسرائيلية وطائرات الاحتلال للقتل والدمار... عملاء تعمدوا إسقاط الشباب الفلسطيني في مستنقعهم... خونة سربوا العقارات والأملاك للعدو وغيرها كثير من الجرائم خلال عقود من الاحتلال.
كثير من العملاء فروا إلى الداخل خلال الانتفاضة الأولى، وبعضهم انهزم إلى الجحور في المدن الإسرائيلية والمستوطنات مع دخول السلطة وانكشاف أمرهم. وبعضهم أصر على مواصلة جرائمه. وعندما إلقي القبض عليهم، وحكم عليهم بموجب الأعراف والقوانين الدولية والوطنية، تحركت شريعة الغاب الإسرائيلية على طريقة المافيا الدولية، وحولت العملاء القتلة إلى ضحايا.
المحكمة العليا في قضاء «قراقوش» الإسرائيلي قضت بدفع تعويضات لهم من أموال الفقراء ودافعي الضرائب الفلسطينيين عن الفترة التي قضوها في الحجز عند السلطة.
ربما هذه من غرائب الدنيا، وربما الأكثر غرابة فيها.. ماذا كانت تنتظر سلطات الاحتلال من الفلسطينيين؟ هل كانت تنتظر تكريم الخونة القتلة ومنتهكي الأعراض؟ هل كانت تتوقع أن يقدموا الورود للعملاء وأن يشكروهم على جرائمهم؟
واضح أن سلطات الاحتلال ستسرق جزءاً من الأموال الفلسطينية لصالح خونة الوطن... والبعض يتحدث عن مبلغ قدره 250 مليون شيكل دفعة أولى، ستمنح للعملاء عن كل يوم قضوه في السجون، وعن الأضرار النفسية التي لحقت بهم .. وكأن عند هؤلاء أصلاً أحاسيس ومشاعر.. أين مشاعرهم وهم يرشدون الصواريخ الإسرائيلية لتمزيق أجساد المناضلين؟
سلطات الاحتلال تتعامل مع المال الفلسطيني على طريقة «المافيات» والدفع «خاوة « سواء قبلت السلطة أم لم تقبل.. حتى أصبحت الأموال الفلسطينية تحت رحمة المافيا الإسرائيلية مستباحة لكل من رفع قضية ولو لإصابته بالخوف جراء سماعه كلمة عربية وهو مار بالطريق، وعلى السلطة الفلسطينية تحمل المسؤولية.
حسب محاكم قراقوش الاحتلالية يحظر على السلطة احتجاز عميل أو سمسار مجرم ولو كان مزوراً.. يحظر المساس به، بل يجب توفير الحماية للقتلة والخونة.
في المقابل، فإن المناضلين الذين هبوا للدفاع عن أرضهم ضد الاحتلال حسب القوانين والشرائع الدولية يحظر مساعدة عائلاتهم ولتمت جوعاً وهم في معتقلات الاحتلال.. هؤلاء هم الأسرى الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي على أيدي محققي الاحتلال وتنهش الأمراض أجسادهم ببطء.
سلطات الاحتلال جندت الرأي العام الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة للتحريض ضد مساعدة عائلات الأسرى وأكثر من ذلك هددت باحتجاز مقابل ما يدفع للأسرى من الأموال الفلسطينية.
الاحتلال يعتبر أن مساعدة الأسرى أو عائلاتهم «جريمة»، أما الدفع لعميل خائن وقاتل فأمر واجب ومقبول.
هل يعلم قادة الاحتلال مدى الغليان في صدور الفلسطينيين في ظل ممارساته على طريقة المافيا والزعران وإلى ماذا ستؤدي سياسة القهر والإذلال والحصار والتستر وراء قضاء قراقوش ومحاكمه.
إذا أصرت سلطات الاحتلال على مواقفها لحماية القتلة والمجرمين فإن البديل سيكون المحاكمات الشعبية كما كان في الانتفاضة الأولى.. وسيكون القاضي ومنفذ الحكم مجهولاً.
في لحظة عودة القوة الفلسطينية ستكون سلطات الاحتلال مجبرة على إعادة الأموال المسروقة بالقوة، تعويض ملايين الفلسطينيين عن سنوات الاحتلال وجرائمه.