لعلّ أكثر ما يؤسف بعد مرور نحو 20 يوماً على إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال أن هناك من يتعامل مع الأمر باعتباره متعلقاً فقط بالفئة التي حملت لواء هذا الإضراب، أو من يظنّ أن مطالب الإضراب مطلبية؛ هدفها تحسين ظروف الاعتقال.
لفهم خطر الاعتقال الإداري على مسار مشروع التحرر الوطني في فلسطين، علينا أن نلاحظ أن الفئة التي يستهدفها هي بالدرجة الأولى تلك التي تحظى بحضور واسع في أوساط الجماهير، أو التي تملك مفاتيح التأثير، أو التي يساهم وجودها خارج السجن في استنهاض الروح الوطنية للناس، وتوجيه حراكهم، وضبط إيقاع المسير، خصوصاً في المراحل الفاصلة.
ومن جرّب الاعتقال الإداري، أو من كان ضحية غير مباشرة له، يعرف جيداً كيف يعدّ هذا النوع من الاعتقال في سجون الاحتلال وصفة إماتة بطيئة للفعل الوطني، وتفتيت للإرادة، عبر استنزاف عمر الأسير في السجن أو تركه خارجه منتظراً اعتقاله التالي، كونه يتم دون محاكمة، وفقاً لاتهامات لا يطلع عليها الأسير أو محاميه، وتظل رهن ما يُعرف بالملف السري. أي أن الأسير عملياً لا يعرف سبب اعتقاله، مما يُبقيه أسير هواجس كثيرة إضافة لقضبان زنزانته. إضافة إلى تحوّل الاعتقال الإداري ذاته إلى هاجس للأسير بعد خروجه، الأمر الذي يبقيه رهن التوقّعات الدائمة بالاعتقال على خلفية أي نشاط وطني أو تنظيمي.
ولذلك، فإن معركة الإضراب الحالي مهمة ومصيرية، ويُفترض أن تكون محل اهتمام كل فلسطيني صاحب حسّ وطني، لأن فدائيي الإضراب لا يخوضونه لأجل أنفسهم فقط بل في سبيل وضع حدّ لملف الاعتقال الإداري كلّه.. وبالتالي، بناءً على حجم التفاعل الخارجي مع هذه القضية سيكون حجم إنجازات المضربين، ومن لا يملك خوض المعركة بأمعائه يمكنه خوضها بأشكال أخرى خارج السجن، على أمل أن يصنع ذلك الجهد الجماعي المتنوّع انتصاراً حقيقياً يكلّله وضع حد لسياسة الاعتقال الإداري، على أمل أن يسهم التخلّص منه أو تقنينه في إحداث أثر إيجابي على أرض الواقع في الفترة القادمة.
من جهة أخرى، ولأن سؤال الجدوى ما زال قائما، حول فائدة الجهود الميدانية أو الإعلامية والإلكترونية، فحتى لو افترضنا جدلاً أنها لن تضيف شيئاً ملموساً للأسرى في قضيتهم، فيكفي ما ستضيفه لنا نحن، ولكل المنخرطين فيها والساعين لتوسيع دائرتها، لأن حال الواقفين خارج حدود الزنازين يقول إنهم أسرى سجون من نوع آخر؛ أسرى الضعف والوهن وقلة الحيلة واللامبالاة وجمود الحس الوطني، وانخفاض منسوب الانتماء العام.
وكل هذه الآفات لا يداويها إلا حراك ميداني متواصل، ولا ينهض بروح الجماهير إلا أن تعود ذاكرة الفداء إليها، لتعي أنها ما زالت تواجه احتلالاً وتعاني من تبعاته، وتحتاج لأن تجمع شتات طاقاتها وتجهز نفسها لجولة مواجهة جديدة معه ستأتي عاجلاً أم آجلاً.