تزداد الفجوة بين حركتي «حماس» و»فتح»، مع ارتفاع وتيرة التراشق الإعلامي بين الحركتين؛ ما يُعطي مؤشرًا واضحًا بعدم إمكانية تحقيق المصالحة، أو تقريب وُجهات النظر خلال القترة المقبلة على الأقل، مع دخول حالة الانقسام عامًا ميلاديًا جديدًا.
وتراوح عجلة المصالحة مكانها في ظل تمسك كل طرف بمواقفه وشروطه، في وقت يعيش فيه الشعب الفلسطيني وحده معاناة استمرار «الانقسام»، وما ضاعفه من تدهور أوضاعهم على المستويات كافة. ومجددًا اشتعلت حدة اتهامات كل طرف للآخر بتعطيل المصالحة، بعد أن منعت حركة «حماس» في قطاع غزة، حركة «فتح» من الاحتفال بإيقاد شعلة تأسيس الحركة، التي انطلقت في الأول من يناير/ كانون الثاني من العام 1965. وردًا على ذلك، هاجم رئيس السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» محمود عباس، حركة «حماس»، متهمًا إياها بـ»الجاسوسية»؛ لمنعها جماهير حركته في القطاع من الاحتفال وإيقاد شعلة الانطلاقة الـ 54.
وفي خطاب له، خلال مشاركته بإيقاد شعلة الانطلاقة بالضفة الغربية المحتلة، منتصف الأسبوع الجاري، قال عبّاس: "خسئوا أولئك (حماس) الذين يمنعون إيقاد الشعلة في غزة، من يفعل هذا ويمنعنا هو جاسوس"، مضيفًا: "مرّ من أمثالهم كثيرون منذ انطلقت الثورة، ونحن نعاني من الجواسيس هنا وهناك، وهم إلى مزابل التاريخ". كما قال.
هجوم عباس استدعى من حركة "حماس" الرد الفوريّ على خطابه، عبر وصفه بـ"الشخصية الديكتاتورية"، مشيرةً إلى أن خطابه يعبر عن حجم البؤس واليأس الذي يتملكه كرئيس السلطة و"فتح" جراء سياساته الفاشلة.
الحركة في بيان مكتوب وصل "الاستقلال" أمس الأول، قالت: "إن ما ورد من عبارات بخطاب عباس التي تهجّم فيها على غزة وحماس، عكست شخصيته المهزومة، وعبرت عن حجم البؤس واليأس الذي يتملكه؛ جراء السياسات الفاشلة التي اتبعها، والمواقف المدمرة التي اتخذها على مدار حكمه، وفرضها على الشعب وكل مكوناته، وأثرت على وحدته ورؤيته السياسية والنضالية المتعلقة بإدارة الصراع".
وطالبت الحركة الفصائل الوطنية والإسلامية وكل مكونات شعبنا الفلسطيني بـ"العمل الفوري الجاد والمشترك في مواجهة "دكتاتورية" الرئيس محمود عباس ونظامه الشمولي القمعي المختطف للسلطة والقضية، اعتماد خطّة إنقاذ وطني تحارب الفساد وتحافظ على الإرث والتاريخ النضالي لشعبنا، وتعيد القوامة لقيادة المقاومة والمتمسكين بحقوق شعبنا المدافعين عن ثوابته، وتمنع الهبوط بالسقف الأخلاقي، وحماية طهارة الحوار السياسي من الانزلاق لهذا المستوى".
ولم تتوقف وتيرة التراشق الإعلامي بين مسؤولين من "فتح" و"حماس" عند هذا المستوى، بل ذهبوا نحو التأكيد على انسداد أفق المصالحة، وقطع الحوارات بينهما.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" حسين الشيخ: "إن ما أقدمت عليه حركة حماس في غزة (منع جماهير فتح من الاحتفال بالانطلاقة)، سيجعل حركته تعيد النظر في العلاقة معها، مضيفًا أن "ما حدث خطيئة، وحماس تقوم بسياسة مبرمجة تنسجم مع صفقة القرن".
وأضاف الشيخ في لقاء متلفز، الليلة قبل الماضية: "لا حوار مع حماس ولن نجتمع مع قيادتها إطلاقًا بعد هذا السلوك غير الوطني، ونعتبر أن مسار المصالحة وصل إلى طريق مسدود، وبناء عليه فلنذهب إلى صندوق الاقتراع، ليحكم بيننا الشعب".
إلّا أن عضو مركزية "فتح" أشار في الوقت ذاته إلى أن هذا "لا يعني أن الجهد المصري بشأن المصالحة مُعطّل"، مهددًا بـأن لدى حركته من الأوراق (لم يذكرها) "ما يمكن أن يحرج ويضع حماس في زاوية لا نتمنى أن تكون فيها، حال زادت في إجراءاتها وسلوكها".
وفي وقت سابق، أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" النائب عنها في المجلس التشريعي الفلسطيني صلاح البردويل أن المصالحة باتت "مستحيلة"؛ "بفعل سياسات التفرد بالقرارات وتدمير المؤسسات، وإدارة الظهر للشراكة والخيار الديمقراطي، الممارسة من قبل عباس". كما قال.
وفي حوار سابق مع "الاستقلال"، أضاف البردويل: "في ظل هذه الظروف، التي يتنكّر فيها رئيس السلطة للقيم والاتفاقات؛ فمن الصعب جدًا أن تحدث مصالحة"، مجددًا التأكيد على موقف حركته الرافض لقرار "المحكمة الدستورية" برام الله حلّ المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات "تشريعية" خلال (6) أشهر، كما جاء مؤخرًا على لسان الرئيس محمود عباس.
وشدد على أن "حماس" متمسكة بتطبيق اتفاق المصالحة (القاهرة/ 2011)، وإجراء انتخابات شاملة (مجلس وطني، رئاسية، تشريعية)؛ لكن من يعطّل إجراءها هو عباس، الذي يريد انتخابات تشريعية فقط؛ بهدف إنهاء الشرعية الدستورية لحماس، التي حظيت بالأغلبية (في آخر انتخابات برمانية جرت عام 2006)".
وتتمسك "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى بتطبيق اتفاق المصالحة الموقّع بالقاهرة بين الفصائل الفلسطينية كافة بـ 4 مايو/ أيار 2011 لمعالجة القضايا كافة، التي نجمت عن حالة الانقسام الفلسطيني عام 2007، وتشكلت على إثر الاتفاق لجان رئيسية لإتمام المصالحة، وهي: إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، الانتخابات، والمصالحة المجتمعية، والحريات العامة وبناء الثقة، وتفعيل المجلس التشريعي.
في المقابل، ترفض حركة "فتح" ذلك، وتشترط "التمكين الشامل والكامل" لحكومة "الحمد الله" في قطاع غزة، وفق اتّفاق المصالحة (الإجرائي) الموقع مع حركة "حماس" بالعاصمة المصرية عام 2017، إذ تم بموجبه تسليم الحركة الوزارات والهيئات والمعابر بالقطاع لحكومة "الحمد الله"، وإعادة المئات من موظفي السلطة القُدامى لوزاراتهم هناك، بيد أن مشكلتيّ "الجباية الداخلية" وموظفي حكومة حماس السابقة، ما زالتا عقبتين كبيرتين تحولان دون إتمام المصالحة.
بدوره، الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، رأى أن الحالة الفلسطينية في هذه الآونة باتت "أكثر تعقيدًا" مما سبق؛ نتيجة استمرار المناكفات السياسية وتبادل الاتهامات بين حركتي "فتح" و"حماس".
وقال سويرجو لـ"الاستقلال": "إن ما يجري يدفع باتجاه تصفية القضية الوطنية والانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة بأيدٍ فلسطينية، وهذا يُعد تلبية لما تسعى إليه الإدارة الأمريكية و"إسرائيل" منذ سنوات طويلة"، مؤكدًا أن هذه الحالة تتطلب تدخلًا عاجلًا من الأطراف الخارجية المختلفة.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي أن مصر مُطالبة بممارسة المزيد من الضغوط على الأطراف الفلسطينية من أجل قبول وتحقيق المصالحة الوطنية، وقطع الطريق أمام "فرص النجاح العالية" للإدارة الأمريكية في تمرير صفقتها التصفوية (صفقة القرن).