بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
تناقلت الأنباء أن المجلس الثوري لحركة فتح قد دعا المجلس المركزي الفلسطيني المقرر عقده في نهاية الشهر الحالي، لحل المجلس التشريعي المنتخب عام 2006. واستطرادا دعا الثوري لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية قريبة.
تبدو الدعوة لحل مجلس تشريعي قد استنفذ ولايته الزمنية امرا غريبا وغير مألوف لأنه يفترض أنه غير موجود من أساسه. فهذا المجلس التشريعي الذي انتخب في عام 2006 انتهت ولايته الزمنية من عام 2010. ذلك أن مدة المجلس التشريعي هي أربع سنوات عملا بالمادة 47 في فقرتها الثالثة من القانون الأساس الفلسطيني والمادة الثانية من قانون الإنتخابات العامة الفلسطيني. بل إن هذا المجلس المنتخب فقد شرعيته حينما انقسم على نفسه في عام 2007، وآثرت كل حركة من الحركتين الرئيستين أن تعقد اجتماعات منفصلة، دون مراعاة لنصاب الإجتماعات، والجلسات، ولا لبطلان الوكالات وما إلى ذلك من قيود شكلية هامة لصحة الإجتماعات البرلمانية. ولولا المناكفات السياسية وتسجيل النقاط بين الحركتين الكبيرتين لكان قد أعلن عن نهاية حقبة ودعوة لإنتخابات جديدة. بل كان يمكن للحركتين التعايش القانوني حتى في ظل الإنقسام السياسي، كما نرى في برلمانات كثيرة متصارعة في العالم.
ورب قائل، ألم يقم المجلس المركزي الفلسطيني بالتجديد للمجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية حتى لا يخلق فراغا قانونيا في النظام السياسي الفلسطيني. صحيح ان المجلس المركزي قام بذلك التمديد ضمن صلاحياته المدّعاة في خلق السلطة الفلسطينية وتوابعها وفي تناقض صارخ مع إعلان المبادىء واتفاقية أوسلو. بكلام آخر إعلان المبادىء أي اتفاقية أوسلو بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية هي التي خلقت جهارا المجلس التشريعي الفلسطيني كجهاز فلسطيني من خلال الإنتخاب السياسي الحر، فالأصل هنا اتفاق أوسلو. صحيح أن الكثيرين منا حاولوا تجميل هذا الوجه التعاهدي القبيح، وإعادة الأمر إلى الشعب الفلسطيني الذي هو صاحب السيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني، لكن الحقيقة شيء والخيال أمر آخر.
المجلس المركزي مجلس وسيط بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مهمته اتخاذ القرارات في إطار مقررات المجلس الوطني، وهذا واضح في صلب اختصاصه. بل إن المجلس المركزي يلتزم في ممارسة اختصاصاته وفي أعماله بقرارات المجلس الوطني ولا يجوز له تعديلها أو إلغاءها أو تعطيلها أو اتخاذ قرارات تتناقض معها وتكون جميع قراراته في إطار مقررات المجلس الوطني وهي الفيصل الذي يحتكم إليه. إذا كانت هذه مهمة المجلس المركزي في تنفيذ قرارات المجلس الوطني، فهل قرر المجلس الوطني الفلسطيني سابقا حل المجلس التشريعي، وإذا لم يقرر فكيف يستساغ أن يطلب المجلس الثوري من المجلس المركزي حل المجلس التشريعي، علما أن المجلس المركزي لا يملك هذه الصلاحية لأنه مناط به تنفيذ قرارات المجلس الوطني. إذا نحن أمام معضلة قانونية فلسطينية.
وتثور هنا قضية فلسفية فكرية سياسية منطقية وهي كيف يقوم جسم أوتوقراطي لم يشكل بالإنتخاب وهو المجلس المركزي، أي أنه معين بالتعيين، بحلّ مجلس منتخب بطريقة ديموقراطية وهو المجلس التشريعي. بكلام آخر كيف تقوم ثلة من الناس بحل إرادة الشعب الفلسطيني الذي انتخب المجلس التشريعي. أليس ذلك تناقضا ما بعده تناقض. قطعا هذا يوصل أن النظام السياسي الفلسطيني إن وجد أو وجدت له بقية نظام هجين بكر لم يشكل بعد رغم وجود النصوص القانونية. لكنها السياسة واحتكار أهلها لقراراتها وغض الطرف عن الأبعاد الأخرى لها وبخاصة البعد القانوني الذي هو كم مهمل.
كان يجب التوقف عن الإعتراف بقانونية المجلس التشريعي منذ عام 2010 ، حينما انتهت ولايته الزمنية وان لا نعطي بالا إلى المادة 47 مكرر من القانون الأساس الفلسطيني. ببساطة تمت انتهاء عضوية وولاية أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من شهر كانون الثاني من عام 2010. وكان يجب التوقف عن دفع مكافئات أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني اعتبارا من شهر كانون الثاني من عام 2010 لأنهم لم يقوموا باي عمل من عام 2007 . فقد تم تبديد أكثر من ثمانين مليون دولارا أمريكيا على مصاريف نواب هم ليسوا بنواب من الناحية القانونية. لقد صرف على المجلس التشريعي ونوابه أكثر ما صرف على الحكومة الفلسطينية. فلماذا يبقى جسم قديم مترهل بدل من تشكيل مجلس تشريعي منتخب حديث؟
ويجب التفريق هنا بين منصب الرئيس وبين عضوية المجلس التشريعي من حيث الديمومة. صحيح أن مدة ولاية الرئيس الزمنية انتهت مع انتهاء ولاية المجلس التشريعي الزمنية. وكان يجب الدعوة لإنتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2009 وإجراءها في عام 2010، ولكن ذلك لم يحصل للأسف الشديد. هنا بيت القصيد، كان يجب الإعلان عن انتهاء ولاية المجلس التشريعي الزمانية، وبالتالي فقدان صفته. أما منصب الرئاسة، فلا يمكن إعلان فقد صفته وإعلان فراغه، نظرا لانتهاء ولايته الزمنية فقط، لسبب بسيط، وهو تعلق مصالح العامة بهذا المنصب سواء أحببنا ذلك أم لم نحب من يجلس في هذا المنصب. وعلى ذلك أجمع فقهاء القانون الدستوري والقانون الإداري مجتمعين. بكلام آخر يمكن أن يتوقف السلطة التشريعية لزمن ولا يتضرر العامة أو الشعب، أما رأس السلطة التنفيذية فلا يمكن احتمال تغيبه شغله المنصب سواء بالإنتخاب أو بالإنقلاب أو بالتمديد أو غير ذلك.
أما المادة 47 مكرر من القانون الأساس، والتي يتمسك بها كثيرون وكأنها قدس الأقداس، تنص على أن " تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية ". هذه المادة قصد منها عدم خلق فراغ قانوني لأيام أو أسابيع أو شهورا بين انتهاء ولاية المجلس القديم وبين انتخاب المجلس الجديد فقط، أما أن يستمر الأمر وهذه المدة لأكثر من ثماني من السنين، فهذا أمر مستغرب ومستهجن ولا يتفق مع قواعد التفسير الصحيحة بل ابتعاد عنه، ولا يمكن ان يكون المشرع قصد هذا المعنى وقراءته بهذا الشكل تعني قراءته بشكل سطحي دونما تعمق. فالدول التي تبنت نصا مشابها قيدته بالحرب أو الظرف الإستثنائي القاهر خوفا من الفراغ القانوني المؤقت وليس الدائم، وهذا أمر مبرر. ومعنى الإستمرار في تطبيق هذا النص في ظل وجود مجلس تشريعي انتهت ولايته الزمنية، وانتهت صلاحيته الإنتخابية، ولم يعد أعضاؤه بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية يمثلون الشعب الذي انتخبهم، يعد امرا مخالفا لروح الديموقراطية والقانون الأساس وقانون الإنتخاب. فهل هذه الديموقراطية التي تقضي بحكم الشعب بالشعب وهو مصدر السلطات.
وقد يروج البعض إلى مقولة أن الرئيس يملك حل المجلس التشريعي، لذا لا باس من حلّه على الفور. الحقيقة أن الرئيس لا يملك حل المجلس التشريعي إطلاقا ولا في اية مرحلة سواء أكانت استثنائية أم عادية. فليس هناك نص صريح يخول الرئيس مثل هذه الولاية وهناك عدم وجود صلاحية واضحة للرئيس بذلك الأمر، فضلا عن أن الأمر يزيد صعوبة واستحالة صدوره من رئيس انتهت ولايته الزمنية أيضا، وبقيت ولايته الموضوعية، نظرا لحاجة العامة لها، واستمرارا لمسيرة المرافق العامة . أما التذرع بأن الأصل في الأمور الإباحة فهذا أمر مقر في الشئون المدنية أما في القضايا الدستورية فهو غير جائز وإلا لسمحنا للرئيس أن يحل محل السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
لا حاجة لأن يقوم الرئيس ولا المجلس المركزي بحل المجلس التشريعي، فقد انتهت ولايته الزمانية من عام 2010، حيث فقد صفته الوظيفية منذ ذلك العام. فالإنتخاب قضية دورية، وهو تفويض شعبي لفترة زمنية محددة، ولا يملك أحد أو جهاز أو فئة تمديد هذه المدة، مهما كانت صفته، سوى من منحها وهو الشعب الفلسطيني، عبر انتخابات جديدة تتصف بالدورية.
صحيح ان الأمورالسياسية متداخلة ومتقاطعة وفيها تجاذب كبير وبخاصة على الساحة الداخلية. لذا ليس هناك أفضل من القانون وقواعده المجردة واحترامها لرسم خطوط الفصل بين العواطف الجياشة والتصرفات السياسية والتفسيرات الجانبية وإقرار التوجه لإنتخابات تشريعية ورئاسية ومحلية لإقامة مبدأ سيادة القانون في فلسطين!!!