تعود غزة من جديد إلى صدارة التحركات السياسية، مع الزيارة المرتقبة لوفد من المخابرات المصرية إلى القطاع، بعد غد الخميس، والمقرر أنّ يلتقي خلالها مع قيادة حركة "حماس"، لمناقشة ملفي المصالحة الداخلية مع حركة "فتح"، والتهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المتوقع أن يكون رئيس المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، على رأس الوفد الزائر لغزة، ومع حضوره الشخصي هذه المرة فإنّ للزيارة مدلولات كثيرة، إذ سيزور المسؤول ذاته تل أبيب للقاء المسؤولين الإسرائيليين لبحث ملف التهدئة والأوضاع في غزة، ومن ثم سيحط في رام الله حيث يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبحث ملف المصالحة.
وتبدّلت الأولويات المصرية في ملف غزة أخيراً أكثر من مرة، ما أدى إلى تطورات سلبية كثيرة و"تضييع وقت" أكثر، لكن مع اشتداد مسيرات العودة، ورغبة إسرائيل في أن تنتهي هذه الإشكاليات الحدودية في النهار والليل، تُقبل غزة على مفاوضات جديدة. لكن هذه الزيارة تأتي على وقع توتر في القطاع وعلى الحدود مع الأراضي المحتلة، وسط تخوّف من أن يصل إلى حد شنّ إسرائيل عدواناً واسعاً أو القيام بضربات مركّزة على غرار ما جرى قبل أشهر، ذلك أنّ مسيرات العودة المستمرة والإرباك الذي أحدثته لإسرائيل قد تعجل في الذهاب نحو الصدام.
في غزة، يقتنع فلسطينيون بأنّ أي تسهيلات مقبلة سيسبقها عدوان قاسٍ، على الرغم من محاولة الأطراف الفلسطينية إبعاد شبح الحرب والعدوان، لكن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة على الحدود وتتدحرج الأوضاع الأمنية، وهو أسوأ السيناريوهات الموضوعة. والمؤشرات المتضاربة حول غزة وفيها تعطي صورة قاتمة للمستقبل بالنسبة للفلسطينيين، الذين رفعوا سقف مطالبهم في الفترة الأخيرة، في ظل ما يرصدونه من حالة الانزعاج الإسرائيلي من مسيرات العودة، والضغوط الداخلية في دولة الاحتلال من أجل إيقافها.
ومع زيارة عباس كامل إلى غزة، فإنّ التحشيد لجمعة جديدة على الحدود مع الأراضي المحتلة مستمر من قبل المنظمين، ولا تزال الفعاليات المجدولة كما هي في مواعيدها الموضوعة مسبقاً. ويرغب القائمون على الفعاليات الحدودية استمرارها، على الرغم من كل الضغوط والعروض والمغريات لإيقافها ومن ثم تحقيق مكاسب، ويريدون مكاسب حقيقية للفلسطينيين في القطاع، لتكون الخطوة التالية من جانبهم.
يقول النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي، يحيى موسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ زيارة رئيس المخابرات المصري إلى غزة، ستناقش مختلف الملفات، وعلى رأسها ملفي التهدئة والمصالحة الفلسطينية الداخلية. وعن ملف التهدئة، يشير موسى إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يريد توفير استحقاقاتها المتمثلة في رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، ويقوم بإرسال الوسطاء المختلفين أملاً في تحقيق حالة الهدوء واحتواء المشهد. ويوضح القيادي في "حماس" أن حركته نقلت رسائل مختلفة للقطريين والمصريين وحتى المبعوث الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف بأن الحراك على الحدود سيتواصل حتى يرفع الاحتلال الحصار المفروض على القطاع للعام الثاني عشر على التوالي.
ومسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار عن غزة ستستمر "كونها مسيرات شرعية ملتزمة بقواعد القانون الدولي الإنساني، حتى بعد انتهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، إذ يمكن أن تتغير في أدواتها وأساليبها"، وفق موسى، الذي يضيف أنّ الحراك الدائر حالياً حول غزة وفيها يشمل ملفي المصالحة والتهدئة على حدٍ سواء، موضحاً أن الخيار الأفضل لدى "حماس" يتمثّل في المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام وأن تكون هناك مصالحة وطنية وشراكة، إلا أن استحالة تحقيق ذلك بسبب تعنّت الطرف الآخر المتمثل في السلطة الفلسطينية يجعل من رفع الحصار ضرورة وطنية.
وبرزت في الأيام الأخيرة تهديدات مختلفة من المسؤولين الإسرائيليين لقادة "حماس"، وذهب بعضهم للتلويح بعودة الاحتلال لسياسة الاغتيالات بحق قيادات المقاومة، خصوصاً "حماس"، لكن الحركة في غزة لم تُلقِ بالاً لهذه التهديدات. ويؤكد موسى أن التهديدات "فارغة من المضمون وبلا قيمة، إذ اعتاد الاحتلال على إطلاقها على مدار سنوات احتلاله المختلفة لفلسطين، في الوقت الذي سيواصل فيه الشعب الفلسطيني كفاحه ونضاله حتى تحقيق هدفه".
وفي غزة يرفض المسؤولون وقف مسيرات العودة، إلى أن تصل إلى المسار المرسوم لها، والسقف بات رفع الحصار كلياً عن القطاع. يعتقد هؤلاء المسؤولين أنّ هناك محاولات لتضييع الوقت، ومحاولة إيهام القطاع بخطوات يمكن أن تُنهي الأزمات لكنها في الواقع شيء آخر تماماً. وبين الرغبات الفلسطينية والشروط، والعروض التي تقدّمها إسرائيل عبر مصر إلى غزة، وملف المصالحة المتعثّر والغامض مصيره، يبقى مليونا فلسطيني في القطاع الساحلي المحاصر في انتظار "بصيص أمل" يخرجهم من أزماتهم التي طاولت كل شيء ولم تترك زاوية إلا أصابتها