عامر خليل
اتفاق «اوسلو» المرحلي انتهي بعد خمس سنوات من البدء في تنفيذه اي في 4-5-1999 الا انه استمر حتى الآن وتحول الى اتفاق دائم بل مشروع سياسي انتفاعي يعبر عن مصالح ضيقة لفئة معينة ارتبط مسار حياتها باستمرارية هذا الاتفاق الانتقالي رغم تداعياته الكارثية على الشعب الفلسطيني وهو ما يفسر الدفاع المستميت عنه والتمسك به واعتباره انجازا وطنيا، ولا بد من الإشارة هنا الى ان حال القضية الفلسطينية سيكون افضل بكثير بدون هذا الاتفاق بعد مرور 25 عاما على التوقيع عليه ويكفى الإشارة هنا الى ان المواجهة كانت مباشرة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني وكان الأول يتحمل المسئولية الكاملة عن كل ما يرتكبه من جرائم في حين خلق «اوسلو» جسما وسيطا اسمه السلطة الفلسطينية بين الاحتلال والشعب الفلسطيني وتبدو للوهلة الاولى ان السلطة تتحمل مسئولياتها الكاملة عن حياة الشعب الفلسطيني ولكن تبين العكس ليزاح عبء الاحتلال عن اسرائيل وينتقل الى السلطة.
الاخطر في التداعيات الكارثية لـ»اوسلو» التقسيم الجغرافي للاراضي التي احتلت عام 1967 الى «أ» و»ب» و»ج» وفصل غزة عن الضفة المحتلة والقدس عن غزة والضفة فأضحت هناك خمس تكتلات سكانية فلسطينية تخضع لأنظمة احتلالية مختلفة عن الأخرى ما سهل على الحكومات الإسرائيلية التعامل المختلف لكل منطقة وفق ما يخدم مصالحها ورؤيتها الإستراتيجية في انهاء القضية الفلسطينية فمنطقة «أ» التي تشكل 18% من مساحة الضفة وتشمل المدن الفلسطينية السبع وبعض البلدات المحيطة بها تخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الفلسطينية ويمنع دخول جيش الاحتلال اليها الا ان الاجتياحات والتوغلات فيها باتت شبه يومية فيما منطقة «ب» التي تشكل 21% تخضع لسيطرة السلطة الإدارية فيما امنيا يتحكم الاحتلال فيها ويستبيحها ويقيم فيها حواجز ونقاط عسكرية، اما منطقة «ج» التي تبلغ 61% من مساحة الضفة فتخضع لسيطرة الاحتلال اداريا وامنيا ولا يسمح للفلسطينيين باي بناء او نشاط اقتصادي الا باذن من الادارة المدنية التي ترفض طلبات ترخيص البناء وانشاء بنى اقتصادية ودمرت كل المشاريع التي جرى اقامتها بتمويل اوروبي ما خلق هجرة من الريف الى المدن واتاح بناء استيطاني واسع في الكتل الاستيطانية الكبرى فيها وارتفاع عدد المستوطنين الى نصف مليون بحيث تجاوز عددهم السكان الفلسطينيين واستفرد الاحتلال بالقدس استيطانا ومصادرة وهدما للمنازل وسيطرة عليها واستباحة للمسجد الاقصى واغلقت شرطة الاحتلال كل المؤسسات الفلسطينية ذات العلاقة مع السلطة في شرقي القدس.
لم تقتصر مفاعيل «اوسلو» الكارثية على فلسطين المحتلة بل تعدته الى المشهد العربي والدولي فقد ازال الحاجز النفسي في التعامل مع "اسرائيل" وهمش قضية الاحتلال واقدمت الدول التي قطعت علاقاتها مع الاحتلال بعد حرب 1967 او التي ليس لها علاقات معها لتضامنها مع الشعب الفلسطيني ونضاله ضد الاحتلال على اقامة علاقات مع إسرائيل وبلغ عددها 90 دولة وعقدت خمس مؤتمرات اقتصادية اقليمية في عواصم شاركت فيها إسرائيل التي تمتعت بازدهار اقتصادي غير مسبوق ونمو وصل الى 7.5% استفادت منه في استيعاب المهاجرين من دول الاتحاد السوفيتي المتفكك وأقامت مكاتب مصالح تجارية في قطر والامارات العربية والبحرين والمغرب وعُمان وهكذا جنت اسرائيل منافع «اوسلو» دون ان تدفع بالمقابل أي ثمن وابقت على احتلالها وتحكمها بالشعب الفلسطيني ورفع الشعار العربي المشئوم لن نرفض ما يقبل به الفلسطينيون او نكون ملكيين اكثر من الملك لتبرير الانفتاح والتطبيع مع الاحتلال.
نتائج «اوسلو» كارثية ولا حصر لها وهي تركت اثرا استراتيجيا كبيرا اضر بالشعب الفلسطيني وقضيته اذ اراح الاحتلال بوجود السلطة الفلسطينية وافرز واقعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لا تجرؤ السلطة على الفكاك منه رغم اعلاناتها الايجابية في هذا الاتجاه اكثر من مرة وأعطى لاسرائيل اوراق قوة وضغط كبيرة وظفتها لممارسة الابتزاز السياسي بتحكمها في اموال المقاصة وسيطرتها على الحدود وتوغلاتها اليومية في قلب مناطق السلطة وعدا عن ذلك اورث «اوسلو» الانقسام في المشهد الفلسطيني وولد كل التداعيات الموجودة اليوم بتحول السلطة في رام الله الى عامل ضغط على غزة، وبذلك فاننا نقف امام مشهد غير مسبوق تمر به القضية الفلسطينية واريحية كبيرة للاحتلال والولايات المتحدة تجرأ في سياقه نتنياهو وترامب على المس بجوهر الحقوق الفلسطينية على غرار القدس واللاجئين وتشريع قوانين عنصرية تستبيح الارض والانسان الفلسطيني.
لا خيار اخر امام الفكاك من المشهد الاوسلوي سوى باستدراك حقيقي للخطر القائم ينتج عنه اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل قيادة تضع رؤية استراتيجية مع آليات لمواجهة الاخطار القائمة المتولدة عن اوسلو ودون ذلك فان المخطط الامريكي الاسرائيلي الهادف لتصفية القضية سيكون حاضرا بقوة في الشهور القادمة.